للنزاع بعد الاتفاق على الحسن والقبح العقليين وبما قررنا يندفع أن هذا النزاع بيننا وبين المعتزلة غير صحيح فإنه إن أريد بالحكم خطاب اللَّه تعالى فلا خطاب قبل ورود الشرع فكيف يتأتى قول المعتزلة وإن أريد كون الفعل مناط الثواب والعقاب فبعد تسليم حسن الفعل وقبحه لا يتأتى إنكاره فحيئذ لا نزاع إلا فى اللفظ فمن قال: بتعلق الحكم قبل الشرع أراد الثانى ومن ننهاه نًفاه بمعنى الخطاب قيل أمر الآخرة سمعى لا يستقل العقل بإدراكه فكيف يحكم بالثواب وأجيب بأن المراد بأمر الآخرة مطلق دار الجزاء سوى الدنيا وكونه سمعيًا ممنوع ولذا قالت الفلاسفة به أيضًا مع إنكارهم الحشر على ما هو المشهور نعم خصوص المعاد الجسمانى سمعى ثم قال من الحنفية من قال إن العقل قد يستقل فى إدراك بعض أحكامه تعالى فأوجب الإيمان وحرم الكفر وكل ما لا يليق بجنابه تعالى حتى على الصبى العاقل وروى عن أبى حنيفة قال: لا عذر لأحد فى الجهل بخالقه لما يرى من الدلائل أقول لعل المراد بعد مضى مدة التأمل فإنه بمنزلة دعوى الرسول ثم قال فى الشرح: ويفهم من كلام فخر الإسلام أن حاصل النزاع بيننا وبينهم أن العقل عندهم علة موجبة للحكم وعند الأشاعرة مهدرة لا اعتبار لها وعندنا لا هذا ولا ذاك بل العقل يوجب أهلية الحكم وتعلق الحكم من العليم الخبير ثم قال فخرج حاصل البحث أن هنا ثلاثة أقوال، الأول مذهب الأشاعرة أن الحسن والقبح فى الأفعال شرعى وكذلك الحكم، الثانى أنهما عقليان وهما مناط لتعلق الحكم، الثالث أنهما عقليان وليسا موجبين للحكم ولا كاشفين عن تعلقه. اهـ باختصار.
المصنف:(فى حكم) أى فى متعلق حكم اللَّه من أفعال المكلفين فذكر حكم اللَّه مكان المتعلق كما يقال: لا يحكم زيد فى حكم عمرو والنكتة فى ذلك الإشعار بتقديم حكم اللَّه على حكم العقل إذ الحكم فى الشئ متأخر عن ذلك الشئ.
الشارح:(إنما يطلق لثلاثة أمور إضافية لا ذاتية) أى ليست مستندة إلى ذات الفعل أو صفة لازمة له أو صفة هى حال واعتبار بل بالإضافة إلى أمر خارج مباين من شرع أو غيره لا يقال هذا الحصر فى الثلاثة المذكور مناقض لما فى المواقف حيث جعل من الثلاثة صفة الكمال والنقصان لأنا نقول إن الكلام فى حسن الأفعال وقبحها وليس من ذلك صفة الكمال والنقصان والوجه الثالث فى كلام المصنف راجع للثانى فلا تناقض، واعلم أن مسألة الحسن والقبح