قال:(مسألة: يستحيل كون الشئ واجبًا حرامًا من جهة واحدة، إلا عند بعض من يجوّز تكليف المحال، وأما الشئ الواحد له جهتان كالصلاة فى الدار المغصوبة، فالجمهور يصح، والقاضى لا يصح، ويسقط الطلب عندها، وأحمد وأكثر المتكلمين لا يصح ولا يسقط لنا القطع بطاعة العبد وعصيانه بأمره بالخياطة ونهيه عن مكان مخصوص للجهتين، وأيضًا لو لم تصح لكان لاتحاد المتعلقين، إذ لا مانع سواه اتفاقًا ولا اتحادًا لأن الأمر للصلاة والنهى للغصب، واختيار المكلف جمعهما لا يخرجهما عن حقيقتهما).
أقول: هل يجوز كون الشى واجبًا حرامًا معًا ولا بد قبل من متحرير محل النزاع، فنقول: أما الواحد بالجنس فجائز فيه ذلك بأن يجب فرد ويحرم فرد، كالسجود للَّه وللشمس والقمر، ومنعه بعض المعتزلة لأن الفعل يحسن ويقبح لذاته فصرف الوجوب والتحريم إلى قصد التعظيم إنما الكلام فى الواحد بالشخص وذلك إما أن تتحد فيه الجهة أو تتعدد فإن اتحدت بأن يكون الشئ الواحد من الجهة الواحدة واجبًا حرامًا معًا فذلك مستحيل قطعًا إلا عند بعض من يجوّز تكليف المحال وقد منعه بعض من يجوّز ذلك نظرًا إلى أن الوجوب يتضمن جواز الفعل، وهو يناقض التحريم، إنما البحث فى الشئ الواحد بالشخص يكون له جهتان فيجب بإحداهما ويحرم بالأخرى، وذلك كالصلاة فى الدار المغصوبة، فتجب لكونها صلاة وتحرم لكونها غصبًا، فقال الجمهور: تصح الصلاة، وقال القاضى: لا تصح، لكن يسقط الطلب عندها لا بها، وقال أحمد وأكثر المتكلمين والجبائى: لا تصح، ولا يسقط الطلب، لنا أن السيد إذا أمر عبده بخياطة ثوب ونهاه عن السكون فى مكان مخصوص ثم خاطه فى ذلك المكان فإنا نقطع أنه مطيع عاص لجهتى الأمر بالخياطة والنهى عن المكان، ولنا أيضًا أنه لو لم تكن صحيحة لكان؛ لأن متعلق الوجوب والحرمة واحد، إذ لا مانع سواء اتفاقًا، واللازم باطل إذ لا اتحاد للمتعلقين فإن متعلق الأمر الصلاة ومتعلق النهى الغصب، وكل منهما يتعقل انفكاكه عن الآخر، وقد اختار المكلف جمعهما مع إمكان عدمه، وذلك لا يخرجهما عن حقيقتهما اللتين هما متعلقًا الأمر والنهى، حتى لا تبقيا حقيقتين مختلفتين فيتحد المتعلق.