قال:(وأما الصحة والبطلان أو الحكم بهما فأمر عقلى لأنها إما كون الفعل مسقطًا للقضاء وإما موافقة أمر الشرع والبطلان والفساد نقيضها الحنفية، الفاسد المشروع بأصله الممنوع بوصفه، وأما الرخصة فالمشروع لعذر مع قيام المحرّم لولا العذر كأكل الميتة للمضطر والقصر والفطر فى السفر واجبًا ومندوبًا ومباحًا).
أقول: لفظ الصحة والبطلان يستعمل فى العبادات تارة وفى المعاملات أخرى أما فى العبادات فالصحة عند المتكلمين موافقة أمر الشرع وإن وجب القضاء كالصلاة بظن الطهارة وعند الفقهاء كون الفعل مسقطًا للقضاء، لا يقال القضاء حينئذ لم يجب فكيف يسقط لأنا نقول المعنى رفع وجوبه، وهو مناقشة لفظية، وأما فى المعاملات فترتب الأثر المطلوب منها عليها، ولو فسرناها فى العبادات به ورجعنا الخلاف إلى الخلاف فى ثمرتها لكان حسنًا والبطلان نقيضها فيهما، والفساد يرادف البطلان، وقالت الحنفية: الباطل من المعاملات هو اللامشروع بأصله، كبيع الملاقيح، والفاسد المشروع بأصله دون وصفه، كالزنا ولذلك قالوا: إذا طرح الزيادة صح، ولم يحتج إلى تجديد عقد وإن ثبت لهم ذلك لم نناقشهم فى التسمية، إذا عرفت ذلك فاعلم أنه قد يظن أن الصحة والبطلان فى العبادات من جملة أحكام الوضع فأنكر ذلك إذ بعد ورود أمر الشرع بالفعل فكون الفعل موافقًا للأمر أو مخالفًا وكون ما فعل تمام الواجب حتى يكون مسقطًا للقضاء وعدمه لا يحتاج إلى توقيف من الشارع بل يعرف بمجرد العقل فهو ككونه مؤديًا للصلاة وتاركًا لها، سواء بسواء، فلا يكون حصوله فى نفسه ولا حكمنا به بالشرع فلا يكون من حكم الشرع فى شئ بل هو عقلى مجرد، ومنها: الرخصة وهو ما شرع من الأحكام لعذر مع قيام المحرّم لولا العذر والعزيمة بخلافها، وحاصله أن دليل الحرمة إذا بقى معمولًا به وكان التخلف عنه لمانع طارئ فى حق المكلف، لولاه لثبتت الحرمة فى حقه، فهو الرخصة وإلا فالعزيمة، فخرج من الرخصة الحكم ابتداء وما نسخ تحريمه أو خصص من دليل محرّم، ثم الرخصة قد تكون واجبًا، كأكل الميتة للمضطر أو مندوبًا كالقصر فى السفر أو مباحًا كالفطر فى السفر.
قوله:(ولو فسرناها) يعنى يحسن أن يقال الصحة مطلقًا عبارة عن ترتب الأثر