قال:(المحكم المتضح المعنى والمتشابه مقابله، إما لاشتراك أو إجمال أو ظهور تشبيه، والظاهر الوقف على {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ}[آل عمران: ٧] لأن الخطاب بما لا يفهم بعيد).
أقول: فى القرآن محكم ومتشابه، قال تعالى:{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ}[آل عمران: ٧]، فالمحكم هو المتضح المعنى سواء كان نصًا أو ظاهرًا، والمتشابه غير المتضح المعنى، وعدم اتضاحه قد يكون للاشتراك نحو:{ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة: ٢٢٨] أو للإجمال ونعنى به غير الناشئ من الاشتراك بقرينة سبق الاشتراك نحو: {أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً}[البقرة: ٦٧] أو لأن ظاهره التشبيه مثل: {بِيَدَيَّ}[ص: ٧٥]{بِيَمِينِه}[الزمر: ٦٧]، و {يسْتَهْزِئُ}[البقرة: ١٥]، ومنهم من قال المحكم ما استقام نظمه للإفادة وهو حق لكن مقابله من المتشابه يكون هو ما اختل نظمه لعدم الإفادة فمنهم من صار إليه للوقف على قوله:{وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران: ٧] بجعل {والرَّاسخُونَ فِى الْعِلْم}[اَل عمران: ٧]، مستأنفًا والظاهر خلافه وأن الوقف على {والرَّاسخُونَ فِى الْعِلْم}، فيعلمون تأويله وذلك لأن الخطاب بما لا يفهم بعيد وإن كان لا يمتنع على اللَّه لا يقال يلزم تخصيص الحال: وهو يقولون بالمعطوف والأصل اشتراك المعطوف والمعطوف عليه فى المتعلقات، لأنا نقول مخالفة الظاهر أهون من الخطاب بما لا يفيد أصلًا.
قوله:(فمنهم) يريد بيان التقريب فى إيراد قوله، والظاهر الوقف ههنا ردًا لما توهموا من أن المراد أن هذه الآية من قبيل المتشابه أى من القائلين بأن الحكم ما استقام نظمه للإفادة من صار إلى أن المتشابه ما اختل نظمه لعدم الإفادة وذلك لاشتمال القرآن على ما لا يفيد شيئًا ولا يفهم منه معنى بدليل الوقف على {إِلَّا اللَّهُ}[آل عمران: ٧]، قد اقتفى فى هذا التقرير أثر الآمدى والظاهر أن القول باختلال نظم القرآن مما لا يصدر عن المسلم بل المقابل لما استقام نظمه للإفادة هو ما استقام نظمه لا للإفادة إما من غير تأويل أو مع تأويل والمتشابه ما انتظم وترتب لا للإفادة بل للابتداء.
المصنف:(أو إجمال) قد عرف المجمل فى بابه بأنه: ما لم يتضح دلالته فكأنه قال هنا السبب فى كونه غير متضح المعنى أنه غير متضح المعنى وهو ظاهر الفساد.