للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر، وإن جهل التاريخ فمذاهب: أحدها: يعمل بالفعل، وثانيها: يتوقف. وثالثها: يعمل بالقول وهو المختار لأن دلالة القول على مدلوله أقوى من دلالة الفعل لأن القول وضع لذلك فلا يختلف بخلاف الفعل، فإن له محامل وإنما يفهم منه فى بعض الأحوال ذلك بقرينة خارجية فيقع الخطأ فيه كثيرًا، وأيضًا فالقول أعم دلالة لأنه يعم المعدوم والموجود المعقول والمحسوس بخلاف الفعل فإنه يختص بالموجود المحسوس لأن المعدوم والمعقول لا يمكن مشاهدتهما، وأيضًا القول دلالته متفق عليها والفعل دلالته مختلف فيها والمتفق عليه أولى بالاعتبار، وأيضًا فالعمل بالقول يبطل مقتضى الفعل فى حقهم فقط ويبقى فى حقه والعمل بالفعل يبطل مقتضى القول جملة لأنه مختص بالأمة وقد بطل حكمه فى حقهم والجمع بينهما ولو بوجه أولى من إبطال أحدهما بالكلية.

القائلون بتقدم الفعل قالوا: الفعل أقوى بدليل أنه يتبين به القول مثل: "صلوا كما رأيتمونى أصلى"، و"خذوا عنى مناسككم" بيانًا لآية الحج، والصلاة، وكخطوط الهندسة وغيرها مما جرت به العادة من الأفعال للتعليم إذا لم يف القول به فيستعان بالتخطيط والتشكيل والإشارة والحركات ولذلك قيل: "ليس الخبر كالمعاينة".

الجواب: غايته أنه وجد البيان بالفعل لكن البيان بالقول أكثر فيكون راجحًا سلمنا التساوى لكن البيان بالقول أرجح بما ذكرناه من الوجوه فإن الدليلين من جنس واحد إذا تعارضا فقيام دليل آخر على وفق أحدهما مرجح له، فإن قيل: فلِمَ لا يصار إلى الوقف ههنا كما فى حقه عليه الصلاة والسلام للاحتمالين. قلنا: لأن القول بالتوقف ضعيف ههنا لأنا متعبدون بالعمل والتوقف فيه إبطال للعمل ونفى للتعبد به، بخلاف الأول، وهو التوقف فى حق الرسول عليه الصلاة والسلام لعدم تعبدنا به.

ثالثها: أن يكون القول عامًا له وللأمة، فالمتأخر من القول والفعل ناسخ للآخر فى حقه، وفى حقنا، فإن جُهل التاريخ، فالثلاثة، أى: تقديم القول، وتقديم الفعل، والتوقف، والمختار تقديم القول، لكن تقرير الدليل الرابع من وجوه ترجيح القول ههنا أدق، وذلك لأنه يبطل حكمه فى حقهم وفى حقه لكن إنما

<<  <  ج: ص:  >  >>