قال:(الغزالى رحمه اللَّه بقوله لا تجتمع أمتى من وجهين: أحدهما: تواتر المعنى لكثرتها كشجاعة على، وجود حاتم، وهو حسن، الثانى: تلقى الأمة لها بالقبول، وذلك لا يخرجها عن الآحاد).
أقول: استدل الغزالى على حجية الإجماع بقوله عليه الصلاة والسلام: "لا تجتمع أمتى على الخطأ"، من وجهين:
أحدهما: تواتر المعنى وهو أنه جاء بروايات كثيرة نحو: "لا تجتمع أمتى على الضلالة"، "لا تزال طائفة من أمتى على الحق حتى تقوم الساعة حتى يجئ المسيح الدجال"، "يد اللَّه على الجماعة"، "من فارق الجماعة مات ميتة جاهلية" إلى غير ذلك، والآحاد وإن لم تتواتر فقد تواتر القدر المشترك وحصل العلم به، كما فى شجاعة على، وجود حاتم، واستحسنه المصنِّفُ.
ثانيهما: تلقى الأمة لها بالقبول، فلولا أنها صحيحة قطعًا لقضت العادة بامتناع الاتفاق على قبولها وبامتناع تقديمه بها على القاطع، وهذا لم يستحسنه لأن قبول الأمة لها لا يخرجها عن الآحاد، فلا يصح إسناد الإجماع إليها ولعل تقديم الإجماع على القاطع بغيرها لا بها.
قوله:(فلا يصح إسناد الإجماع إليها) لأنها وإن كثرت وقبلت لم تكن إلا ظنية فلا تصلح أصلًا ومبنى للقطعى إذ المبتنى على الشئ أو المستند إليه لا يكون أعلى حالًا منه فإن قيل هى تفيد ظن حجية الإجماع فيجب العمل به لأن دفع الضرر المظنون واجب قلنا: مبنى على قاعدة الحسن العقلى ولو سلم ربما يكون إيقاعًا فى الضرر لا دفعًا كما إذا دل ظنى على وجوب شئ أو حرمته فوقع إجماع على إباحته على أنه لو صح لكفى خبر واحد من غير كثرة أو تلق بالقبول.
الشارح:(لا يخرجها عن الآحاد) قال ابن السبكى فى شرحه على هذا الكتاب: ولقائل أن يقول تلقى الأمة بالقبول وإن لم يخرجه عن الآحاد فلا يلزم أن يكون مظنونًا لأن خبر الواحد قد تقترن به قرينة تصيره مقطوعًا، وجاز أن تكون القرينة هى تلقيهم له بالقبول فيستدل به على الإجماع ولم يدع الغزالى غير هذا فتأمل.