آخره، وبيان ذلك أن صلاة الفجر أمر بها من وقت طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، فالوجوب عندنا متعلق بجميع أجزاء الوقت، وهو الوجوب الموسع، فأي وقت أتى بها المكلف من جميع أجزاء الوقت فقد فعلها واجبة، وإنما ضرب آخره ليكون المكلف مخيرا في إيقاع الصلاة في أي أجزائه شاء. هذا قولنا، وقول أصحاب الشافعي، واختلف الذاهبون إلى هذا القول هل يلزم المكلف إذا ترك الفعل في أول الوقت أو وسطه أن يتركه إلى بدل أو لا يلزمه بدل، فمنهم من قال: له تركه إلى أن يبقى من الوقت ما يستغرقه من غير بدل يفعله، ومنهم من يقول: ليس له تركه إلا إلى بدل هو العزم على أدائه في بقية الوقت، وهذا هو الذي يقتضيه أصول أصحابنا ومن الناس من يوجب العزم، ويقول: لا أسميه بدلا. هذا جملة قولنا وفروعه، وذهب قوم من أصحاب أبي حنيفة إلى أن الوجوب يتعلق بأول الوقت الموسع دون آخره، وأن آخره إنما ضرب ليكون إيقاع الفعل فيه أداء وبعده قضاء، وقال آخرون منهم: إن الفعل لا يجب بأول الوقت وإنما يجب بآخره، وهو وقت التضييق الذي يلحق الإثم بتركه فيه، وتأخيره عنه، وإن تقديمه في أول وقته جائز، ثم اختلفوا في حكم الفعل إذا قدم في أوله فمنهم من يقول: إنه نفل ويجزئ عن الواجب، ومنهم من يقول: إنه واجب موقوف فإن دخل آخر الوقت والمكلف بصفة من يلزمه الفعل كان ما قدمه في أوله واجبا، وإن كان بخلاف من يلزمه كان نفلا. يحكى هذا كله عن الكرخي من أصحاب أبي حنيفة. فدليلنا على أن الوجوب يتعلق بجميع أجزاء الوقت، أن الأمر جعل جميع أجزائه وقتا للوجوب، لأنه جعلها وقتا لاقتضاء الفعل يبين ذلك أنه تعالى قال:{أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} فجعل جميع ذلك وقتا يقتضي به الصلاة ولم يخصص بعضها منه دون بعض، فلو أراد تعلق الوجوب ببعضها لبينه كما بين آخر الوقت، وعلى نحو ذلك حديث