ولأنه قد ثبت أن المشتري لو طلب البائع بالإقباض فلم يقبضه فإنه يأثم ويجبر على إقباضه ويصير في حكم الغاصب، وإذا ثبت ذلك وكان الغاصب متى تلف الشيء المغصوب في يده يلزمه قيمته دون ثمنه، فكذلك في مسألتنا، ولأن الثمن في البيع كالمهر في النكاح؛ لأن كل واحدٍ منهما عوضٌ مستحقٌ بقدر معاوضته، فإذا كان متعيناً وتلف قبل القبض لم يتلف من بائعه كالمهر. قال أصحابنا: ولأن المشتري إذا تلف المبيع وهو في يد البائع قبل قبضه لكان تلفه منه، فدل ذلك على أن ضمانه منه قبل القبض، وكذلك إذا أتلفه غيره، أو أتلف بأمر من الله عز وجل.
[تعيين الدنانير والدراهم في العقد]
[٩٠٢] مسألة: الظاهر من مذهب أصحابنا في الدنانير والدراهم أنهما لا يتعينان في العقد، وهو قول أبي حنيفة. ولأبن القاسم قول أنها تتعين، وهو قول الشافعي، فوجه نفي التعيين، أنها لو كانت مما يتعين لم يجز إطلاق العقد عليها كالثياب والطعام وسائر ما يتعين؛ ولأنه بدل مستحقٌ على وجه الثمن، فوجب أن يثبت في الذمة؛ أصله إذا أطلقاه ولم يعيّناه؛ ولأن الدارهم والدنانير لا يرادان لأعيانهما وإنما تراد للانتفاع بهما، إذ الأغراض فيهما واحدةٌ، ولا مزية لعين منها على عينٍ؛ لأنه لا شيء تراد له إحدى العينين إلا وهو موجودٌ في الأخرى، وإذا ثبت ذلك وجب أن يكون تعينهما وعدم تعنيهما بمنزلةٍ واحدةٍ. ووجه إثباته أن ما تعين بالقبض جاز أن يتعين بالعقد كغير النقود؛ ولأنه لا خلاف أن القبض طريق للتعيين في كل المقبوض بنفس العقد عليه، بعلة أن كل معنى تعين به غير الأثمان جاز أن يتعين به الأثمان كالقبض، عكسه العقد على شيء في الذمة لما لم يتعين به غير الأثمان لم يتعين به الأثمان؛ ولأن كل جنسٍ يتعين مصوغه بالعقد جاز أن يتعين غير