فدليلنا على أبي حنيفة ما روى أبو سعيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل: ما يقتل المحرم؟ (فذكر الحية والعقرب والفويسقة والكلب العقور والحدأة والسبع العادي)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: (خمس ليس على المحرم في قتلها جناح) فذكر "الكلب" واسمه يعم الأسد وغيره، ولأنه لما أبيح قتل الكلب العقور والذئب ويسقط الجزاء فيه للضرر الواقع فيه وابتدائه بالعدو والفرس وكان الأسد داخلاً في هذا الضرر من كل ما عداه، وأذِّيته أشد فكان في إباحة القتل أولى، ولأن ما يجب الجزاء بقتله من الصيد يضمن بأحد وجهين إما بمثله في الخلقة، وإما بكمال قيمته، وكل ذلك معدوم فيه كالسمع؛ لأن المخالف لا يرى عنه المثل في الخلقة، ولا يوجب فيه كمال القيمة فإنه يقول إذا زادت قيمته على قيمة شاة لم يجب كمالها، فدل على أنه لا يضمن بالقتل.
[٨٠٢](فصل): وخالفنا الشافعي في وجوب الجزاء في الصقر، والبازي، والثعلب،
وكل متوحش لا يؤكل لحمه، ودليلنا عليه قوله عز وجل:{لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم}{وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما} فعم، ولأنه حيوان بري ممتنع لا يبتدئ بالضرر غالباً فكان مضموناً بالجزاء أصله الضبع.