لاستبقاء نفسه فلم يسقط عنه القود، أصله إذا خاف التلف بالجوع فقتله ليأكله، ولأنه قتل شخصاً مكافئاً له ظلماً بغير حق، فأشبه المبتدىء بالقتل، ولأن التلف بضرورة الجوع متحقق وبالإكراه مظنون، ثم في أشدّ الضرورتين يجب القود ففي أضعفهما أولى.
ودليلنا على أن على الآمر القود، أنها مباشرة مع سبب ملجىء فوجب أن يتعلّق الحكم بالسبب، كما لو شهد شاهدان على رجل بالقتل فقتله الحاكم فإن الحكم يتعلق بهما.
[١٥٥٦] مسألة: إذا أمسكه عامدًا على من يعلم أنه يقتله ظلماً عمداً، قتل الممسك والقاتل، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي؛ لقوله تعالى:" ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليه سلطاناً فلا يسرف في القتل "، والاستدلال فهذا مفروض في ذابح لا يقتل بالمذبوح، ولأنه أمسكه على من يعلمه قاتلاً له ظلماً بغير حق، فوجب أن يلزمه القود، أصله إذا أمسكه على نار حتى احترق.
[١٥٥٧] مسألة: في الواجب بقتل العمد روايتان: إحداهما القود، وهو قول أبي حنيفة، والأخرى التخيير بين القود والدية، وهو قول الشافعي.
فوجه الأولى، قوله صلى الله عليه وسلم:«العمد قود كلّه إلا أن يعفو ولي المقتول»، ولأنه معنى موجب للقتل فلم يجب به مال كالزنا مع الإحصان، ولأنه أحد أنواع القتل فوجب أن يتعين موجبه من غير تخيير، أصله قتل الخطأ، ولأنه أحد بدلي النفس، فكان وجوبه مانعًا من وجوب البدل الآخر، أصله الدّية، ولأن الأصول موضوعة على أن كل متلف فإنّما يلزم متلفه مثله، ولا ينتقل إلى غير مثله إلا بالتراضي، أو بتعذر استيفاء المثل، كذلك في مسألتنا.