الذي قتل عمدًا، ورمي أهل قرية بقتله، فسألوا موسى عليه السلام فأمر الله تعالى أن تذبح بقرة ويضرب ببعضها، فإنّه يحيا ويخبر بقاتله، ففعلوا ذلك فحيي، فقال: قتلني فلان ابن أخي، فصار ذلك أصلاً في قبول قول المقتول وتأثيره في الحكم بدمه، لما روي أن القسامة كانت في الجاهلية وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم، وظاهر هذا يفيد أنه أقر جميعها إلا ما قامت الدلالة عليه، والعرب كانت تقسم مع قول المقتول، ولأن اللّوث معنى ينضم إلى دعوى الأولياء فيقوى به صدقهم، ومعلوم أن غالب أحوال المسلمين عند الموت والإشراف عليه، أنهم لا يتزودون للقاء الله عز وجل قتل النفوس المحرمة والزيادة في ارتكاب الآثام والمعاصي، بل الغالب منهم ضدّ هذا، من الإقلاع عن المآثم والثوب والتخوف ورد المظالم، فإذا كان كذلك، كان هذا من أقوى ما يؤيد قول المقتول، ويغلب معه في الظن صدقه، ولأنه ليس أحد أعدى للإنسان من قاتله، فالتهمة منفية عنه في الكذب على غيره وتبرئته.
[١٦٣٠] مسألة: إذا وجد المقتول في محلّة قوم، لم يكن ذلك لوثًا سواء كانوا أعداءه، أو غير أعدائه، وقال أبو حنيفة: يكون لوثاً إذا كان به أثر، وحكي عنه: أنه إن خرج الدم من أذنيه كان لوثاً، وإن خرج من أنفه لم يكن لوثاً؛ فدليلنا أنّ الغالب من حال من يقتل غيره أن يبعده عنه ويتعمّد لذلك في غير موضعه وبحيث لا يلحقهم فيه تهمة، وبقاؤه في موضع مقتولاً يقوي التهمة فيه أن يكون قاتله من غيرهم، فإنه طرحه بينهم لتزول التهمة عنه في موضعه، واعتباراً به إذا لم يكن به أثر.
[١٦٣١] مسألة: إذا ادعى بعض ولاة الدم القتل وأنكر ذلك الباقون سقطت القسامة في العمد، خلافاً لأحد قولي الشافعي؛ لأن القسامة مبنية على غالب الظن دون الحقيقة، وتكذيب أحدهم لبقيتهم