فدليلنا أن شهادة النساء لا مدخل لها في إثبات الحدود، ولا في إسقاطها فلو قبلت في هذا الموضع لسقط الحد بها، ولأنها شهادة من النساء تؤدي إذا قبلت إلى إسقاط الحد فيما لا مدخل لهن فيه في غير هذا الموضع، فلم يسقط الحدّ بها، أصله إذا شهدت بفسق الشهود.
[١٦٩٨] مسألة: إذا شهد شاهدان على رجل أنه زنى بامرأة ببغداد وشهد آخران أنه زنى بها بالبصرة، فلا حدّ عليه، لأن الشهادة لم تكمل على فعل واحد، وعلى الشهود الحدّ، على ما بيناه، وقال أبو حنيفة: لا حدّ عليهم؛ فدليلنا أن الشهادة لم تكمل بدليل أن الحدّ لا يلزم المشهود عليه، فصار بمنزلة أن شهد شاهدان بالزنا من غير أن يشهد معهما غيرهما.
[١٦٩٩] مسألة: إذا قتل رجل رجلاً في دار وادعى أنه دخل ليسرق وأنه لم يتمكن من إخراجه لزمه القود ولم يقبل دعواه، كان الرجل معروفاً بالسرقة أم لا، وقال أبو حنيفة: إذا كان معروفاً بالسرقة فلا قود عليه؛ فدليلنا قوله صلى الله عليه وسلم:«من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين»، ولم يفرق، ولأن كل من لم يكن معروفاً بما قرن به أقيد به قاتله، فكذلك إذا كان معروفاً به، أصله لو قتله وادعى أنه زنى بامرأته وكان الرجل محصناً، فإن القود يلزمه كان الرجل المقتول مشهوراً بالزنا أم لا.
[١٧٠٠] مسألة: يضرب في الحد الظهر وما يقاربه، وقال أبو حنيفة والشافعي: يضرب سائر الأعضاء ويتقي الوجه والفرج، وزاد أبو حنيفة: الرأس؛ فدليلنا أن في ضرب كل عضو إفساد ذلك العضو وإتلافاً للنفس إن كان مقتلاً كالبطن والحلق والأضالع، وليس الغرض بالجلد إفساد الأعضاء ولا إتلاف النفس، ولا موضع يؤمن هذا فيه إلا الظهر وما قاربه، فوجب أن يكون هو محل الضرب؛ ولأن أبا حنيفة يوافقنا في التعزير أنّه لا يستوفى له سائر الأعضاء، فكذلك الجلد، بعلّة أنه ضرب يقصد به الردع دون الإتلاف والإفساد.