باب جواز أكل صيد صاده جارح، لأن الغزال والطائر لا يملك عقره لسرعة طيرانه واختبائه في المكامن والغياض والكهوف والمواضع التي لا يصل إليها إلا الجارح يحيلوا له الحوائل دونه، ولأنه إذا رآه وفيه سهمه أو بالقرب منه جارحه فالظاهر أنه ليس به إلا عقره، فجاز أكله، ويفارق المبيت لأن الهوام تنتشر بالليل فلا يؤمن مشاركتها فيه.
[١٨٣٥] مسألة: إذا بات عنه الجارح بالصيد ثم وجده من الغد قد قتله لم يأكله، واختلف في السهم، وقال الشافعي في أحد قوليه: يؤكل؛ ودليلنا ما روي أن رجلاً أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ظبياً، فقال: إني رميته يا رسول الله، ثم اتبعته من الغد فوجدت سهمي فيه أعرفه، فقال صلى الله عليه وسلم:«لا آكله، لا أدري لعل هوام الأرض قتلته» وهذا يعم بتعليله الجوارح والسهم.
[١٨٣٦] مسألة: إذا أرسل كلبه أو رمى بسهمه على صيد بعينه فعقر غيره لم يجز أكله، خلافاً لأبي حنيفة والشافعي؛ لأن الذكاة تحتاج إلى نية لقوله صلى الله عليه وسلم:«إنما الأعمال بالنيات»، ولأنه عقر صيداً لم يرسل عليه كما لو استرسل بنفسه.
[١٨٣٧] مسألة: إذا استرسل بنفسه ابتداء ثم أغراه صاحبه فقوي في سيره لم يؤكل ما صاده، وقال أبو حنيفة: يؤكل؛ ودليلنا أن إرسال صاحبه حصل [بعد] استرسال يمنع الأكل لو انفرد به، فلم يكن بإغراء صاحبه اعتباراً، كما لو أرسله مجوسي، ولأنه اجتمع في هذا حظر وإباحة، فكان الحكم للحظر كما لو ذبحه مسلم ومجوسي.