ثواب، وكذلك المندوب إليه، ولكنه يخالف الواجب من ناحية تركه، فالواجب في تركه عقاب، والمندوب إليه ليس في تركه عقاب. وقد قدمنا أن التعرض للترك في الواجب خاصة يصح به حد الواجب دون التعرض إلى فعله.
وقد سلك بعض الأصوليين في حد الندب هذا المسلك، فتعرض إلى تركه خاصة، فأخطأ في هذا، فقال: حد المندوب إليه ما لا يلحق الذم بتركه من حيث إنه ترك له، وهذا يفسد بالمباح والمكروه، فإنه لا يذم تاركه.
وسلك الجمهور في هذا التحديد خلاف هذا المسلك، فتعرض الخاصية في الفعل والترك، ولكن اختلفت عباراتهم عن هذا، فمن مصيب منهم، ومن مخطئ، فمن قائل منهم: حد المندوب إليه: ما في فعله ثواب، وليس في تركه استحقاق عقاب. أصاب المرمى، هكذا وقع لهؤلاء، ولكنه إنما يكون الحد صوابا إذا زيد فيه: وليس في تركه من حيث هو ترك له استحقاق عقاب. وقد نبهناك على معنى هذه الزيادة، وذكرنا أن المندوب قد يترك بالحرام فيعاقب المكلف على تركه، لكون الترك حراما، لا لكونه تركا للمندوب.
ومن الناس من حد بأن قال: ما فعله خير من تركه من غير ذم يلحق بتركه. وربما عبر بعضهم بان يقول: ما تعلقت الفضيلة بفعله من غير ذم يلحق بتركه. ولابد لهؤلاء أن يضيفوا إلى الحد: من حيث هو ترك له، لأجل ما نبهناك عليه. لكن بعد إضافتهم ذلك لمز القاضي ابن الطيب هذا الحد، وذكر أن الأفعال قبل ورود الشرع يعتقد أن بعضها خير من بعض، لما يحصل به من منفعة أو لذة، ولا يقال فيها حينئذ إنها مندوب إليها. وأشار بعض المتأخرين إلى تعسف القاضي في هذا التعقب، ورأى طريقتهم في الحد صحيحة، ولا مبالاة بما قبل الشرائع، فإن القول في هذا إنما يقصد به بيان ما بنيت عليه الشرائع.
وجماعة من المعتزلة يحدون المندوب بأنه: ما استحق فاعله المدح بفعله، ولم يستحق اللوم بتركه. وهذا ينتقض بأفعال الله سبحانه، فأنه ممدوح عليها ومتقدس عن الذم إن تركها، ومع هذا فلا يقال: إن الله سبحانه مندوب إلى ما فعل.
ومن الناس من حده بأنه: ما أمر الله بفعله ولم ينه عن تركه. وهذا إنما صح على طريقة من قال: إن المندوب إليه مأمور به، وأن تركه غير منهي عنه. وقد قدمنا فيما مضى ذكر الخلاف في ذكر المندوب إليه مأمورا به، وذكر الخلاف أيضا في كون الأمر على جهة الندب نهيا عن الضد، فهذا الحد إنما يصح على أحد هذه المذاهب الذي نبهناك عليه.
وقد قيل في حده: إنه الفعل المأمور به الذي لا يلحق الذم بتركه. ولابد أيضا (ص ٩٧) في هذا الحد من التعرض لتلك الزياة، وهي قولك: من حيث هو ترك له.
وهذا المعنى سلك أبو المعالي في تحديده في كتابه المترجم بالبرهان، ولكنه عبر عن