للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فسمى الحرب كريهة، لنفار الطباع منها.

وأما حد المكروه فاعمل فيه بما قلنا لك في حد المحظور، فإن المكروه نقيض المندوب إليه، كما أن الحرام ضد الواجب، فإذا كان مقلوب حد الواجب هو حد الحرام، فليكن مقلوب حد الندب هو حد المكروه.

وقد قال أبو المعالي: المكروه ما زجر الشارع عنه، ولم يلم على الإقدام عليه. لكن يفتقر هذا التحديد إلى النظر في نكتة، وقد تقدم بسطها، وهي تعلق أوامر الشرع بالشيء قصدا إليه، أو يكون المأمور به، أو المنهي عنه في حكم الذريعة والوصلة إلى امتثال الأمر والنهي. وقد تقدم مذهب الجماعة في تعلق الأوامر والنواهي بهذه الوصلات والأسباب المؤيدة للامتثال، ومذهب أبي المعالي فيها، وذكرنا عنه أنه لا يطلق القول بأنها مأمور بها أو منهي عنها، حيث تكلمنا على كون الأمر بالشيء نهيا عن ضده، وذكرنا الاختلاف فيه، والاختلاف في الأمر على جهة الندب؛ هل هو أمر بالضد على رأي من سلم كون الأمر الواجب نهيا عن الضد، وذكرنا هناك ما عندنا في ذلك، وتلك الطريقة تستعمل هاهنا، فما ورد الشرع بالنهي عنه على جهة التنزيه قصدا إليه، وتعلق النهي مختصا به، فلا شك في تسميته مكروها لغة، وعزما، ألا ترى النبي عليه السلام لما قال: "لا يمنعن أحدُكم جاره أن يغررز خشية في جداره"، وكان هذا نهيا محمولا على الندب على المذهب المشهور، كان المنع من غرز خشية مكروها. وأما ترك صوم يوم لم يرد الشرع بالتغريب في عينه، أو صلاة ركعتين لم يرد الشرع بالترغيب في عينهما، فإن فعلهما مندوب إليه ومأمور به، فليكن تركهما منهيا عنه نهي تنزيه، على حسب ما قدمناه، من كون الأمر بالشيء نهيا عن ضده، فهدأ النهي موقع نزاع واضطراب بين العلماء، فمنهم من يشير إلى استحقاق إطلاق اسم الكراهة على هذا، ومنهم من يمتنع من ذلك.

وأشار أبو المعالي إلى أن مذهب الفقهاء جار على الامتناع من هذا، ولا شك في أن استيعاب العمر بصلاة النافلة، وصيام التطوع مستحسن في الشرع مندوب إليه، ولا يطلق الفقهاء على من جانب هذه السيرة أنه أتى مكروها.

هكذا ذكر أبو المعالي، وقد ذكرنا نحن إشارة الفقهاء إلى الاضطراب في هذا الفصل، واعتذر أبو المعالي عن هجران الفقهاء هذه التسمية (ص ٩٨) في هذا النوع بأن النهي عن القواطع عن هذا النوع من الخير لم يرد في الشرع نص عن النهي عنها، وإنما ينهى عنها

<<  <   >  >>