للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا، وهذه الذوات المحسوسة تتغير وفي العالم العقلي عندهم ما لا يتغير.

واعلم أن هذه الطريقة الفاسدة، هي التي أدتهم إلى أشنع مذهب ركبوه في صنعة هذا العالم، وكون شيء عن شيء، حتى لا يتناهى الأمر إلى الواحد الأول، فلم يكن عندهم عنه إلا آخر يليه، على حسب ما بيناه من مذاهبهم في غير هذا الكتاب الذي يؤدي إلى مفارقة مذهب أهل الشرائع، فصار تلخيص هذا إنما أثبتنا هذه الأفعال الثلاثة من صنعة الله سبحانه، وجعلنا واحدا خلق ثلاثة، وأحلنا على فاعل معقول، وجعلوا هم هذه الأفعال الثلاثة لثلاثة فاعلين، وأحالوا على فاعل غير معقول.

وقف أيضا معهم هاهنا وقفة، فلا يكادون يتخلصون منك، قل لهم: هب أنا سلمنا أن هذه الأفعال لغير الله سبحانه، فهذا الغير اكشفوا عنه، وأخبرونا عن معنى قولكم: قوة؟ هل تريدون بهذا جوهرا أو عرضا؟ فإن قالوا: لا نريد جوهرا، ولا عرضا، منازعة منهم في هذه العبارة. قيل لهم: فهل تشيرون إلى متحيز، أو إلى قائم بنفسه، أو تشيرون إلى غير متحيز أو إلى غير قائم بنفسه؟ فلا يمكنهم هاهنا أن يشيروا إلى نوع آخر.

فهذه تسمية ضرورية مترددة بين نفي وإثبات، فإن أشاروا إلى متحيز ذي مقدار، وعظم، فذلك الجوهر، فكأنهم يقولون: ثلاثة جواهر، انفعل عن كل واحد منها نوع من الفعل، والذي انفعل نحن نشاهده جوهرا [انسل عن] جوهر آخر، فيكيف يصح أن يكون هذا منفعلا عن هذا، وليس لأحدهما مزية عن صاحبه؟

وإن أشاروا إلى [ما لا] مقدار له في العظم، ولا تحيز وهو مع محمول أصلهم، وحال على أصلنا في الذوات، فهذا صفة من الصفات، ومحال أن تكون الصفة فاعلة، وما لا يقوم بنفسه لا يقوم غيره به، ولا يخلق ما سواه، ومن شرط الخالق أن يكون حيا، قادرا، عالما، والصفة لا تكون حية، عالمة، قادرة، لأن الحياة والعلم والقدرة صفات، والصفات لا تكون صفات لصفات، لأن هذا يؤدي إلى ما لا يتناهى. وإن كان هذا الذي لا عظم له في المقادير والتحيز ذاتا غير متحيزة ولا مقدرة بتقدير، ولا مفتقرة إلى محل، فهذا هو الله سبحانه الذي جعلناه فاعلا.

ويبقى علينا كونه حيا، عالما، قادرا، وهذا معلوم ثبوته، لأن الموات، والجماد، ومن لا يعلم، ولا يقدر، لا يفعل، وهذه أمور تضطرهم إلى مفارقة مذاهبهم، وعجبا لقوم يهربون عن هذا مع وضوحه إلى إثبات ما لا يتصور ولا ينعقل، ولو تصور وانعقل لم يقم عليه برهان ولا دعت إليه ضرورة، ومن الممكن في غير هذا الذي نحن فيه أن تنسب

<<  <   >  >>