بمقدارها، فما رأى الإنسان من البحار والجبال إلا أصغر من أنملة، وهذا باطل على الضرورة والاتساع في رد هذا لا يليق بما نحن فيه.
وكذلك ما قاله في حاسة السمع، قد استقصى المتكلمون من أئمتنا إبطاله في كتب علم الكلام.
وأما الذي ذكروه في حاسة اللمس، فإنهم ذكروا أربعة أنواع من المدركات، ونحن قد نرد بعضها إلى بعض على ما عرف في كتب علم الكلام، فنناقضهم في تعدادها أولا، ثم نناقضهم فيها من جهة ثانية، فنقول لهم: الحرارة والبرودة جنسان مختلفان متضادان، وقد أدركتهما هذه القوة، والرطوبة واليبوسة جنسان متضادان أيضا، وهما جميعا مخالفان للحرارة والبرودة، فما بال هذه القوة الواحدة استولت [على] المتضادين، والمختلف الذي لا يتضادد، وهذا مناقضة لما قاله إمام عظيم عندهم من متأخريهم، فإنه قال: يشبه أن تكون القوة الداركة لهذه الأجناس واحدة، وهذا إذا مر عليه وسلمه، تأكد ما قدمناه من المناقضة لهم في قولهم بتعدد هذه القوى.
أما القوة المدركة الباطنة عندهم فهي خمس قوى أيضا، كما أن الظاهرة خمس أيضا.
فأول هذه الباطنة قوة في مقدم الدماغ يسمونها فنطاسيا، ويسمونها الحس المشترك، ومعنى الحس المشترك أن جميع الإدراكات الظاهرة التي عددناها، تنقل مدركاتها إلى هذه القوة التي في مقدم الدماغ، فيطبع صور المدركات فيها على حسب ما أدركتها، فيكون الانطباع في القوتين الظاهرة، وهذه الباطنة مقترنا، وإن كان الرتبة في البداية إلى القوة الظاهرة، ومهما كانت القوة الظاهرة عمالة في الصور منطبعة فيها، كانت هذه القوة الباطنة منطبعة أيضا فيها الصور، وإذا لم تعمل القوة الظاهرة لم يقع انطباع في هذه القوة الباطنة.
هاهنا يجب أن نطالبهم بجميع ما قدمناه، ثم نخص هذه المسألة بمطالبة أخرى، ولا جواب لهم عنها، فنقول: لم زعمتم أن هذه الباطنة مدركة لجميع محسوسات الحواس الخمس الظاهرة؟ وما بال هذه القوة وهي واحدة أدركت جميع هذه المدركات على اختلافها، وهلا كان ما سواها من القوى التي يهتفون بها متحدا، كقولهم في هذه القوة؟ ولم هربتم أن تجعلوا هذه الواحدة الباطنة قوى كثيرة متعددة بحسب تعدد الحواس الظاهرة؟
وقد أجاب جميعهم عن هذا، المتقدم منهم والمتأخر بجواب واحد، وذلك أنهم قالوا: نحن نعلم أن الإنسان يحس فرقا بين الحلو والمر، والاسود والأبيض، وبين ما يراه وبين ما