للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سلمناه لم نسلم أن في هذا حطا للقدر ولا تنفييرا، وأمور الآخرة والأحكام والنبوات لا تقاس على أحوال أهل الرياسات الدنيوية.

وأما المانعون لذلك سمعا فمعتمدهم على أنه لو كان على شريعة لنقل ذلك، إذ لا يمكن في العادة كتمان ذلك ولا إخفاؤه، بل العادة أن يتحدث بما كان صلى الله عليه وسلم يتقرب به، وينتمي إليه من الشرائع، ولو لم يكن إلا أن يتحدث بذلك ويفتخر به أهل الملة التي دعاهم إلى الرجوع إليها وترك ما هم عليه، وهذه عمدة القاضي التي يعول عليها.

واختار أبو المعالي مذهب الواقفية الذي حكيناه، ورأى أن ما تمسك به القاضي قد يقلب عليه، فيقال: لو كان غير متبع لشرع لنقل أيضا، ولو سلم أن ذلك لا ينقلب، وأن العادة ما ذكره القاضي، لأمكن أن تكون هذه العادة انخرقت كما انخرقت له عوائد كثيرة صلى الله عليه وسلم.

وأما الذاهبون إلى أنه كان متمسكا بشريعة على الجملة دون معرفة عن الشريعة التي تمسك بها فإنهم يقولون: قد كان يذبح الذبائح، ويتصرف في الملابس والمراكب والمطاعم والوطء تصرفا على مسلك ما، وما ذاك إلا لشريعة اتبعها. وأيضا فقد كان يفعل القُرَب والمناسك، ويصل الرحم، إلى غير ذلك مما يشعر بكونه متمسكا بشريعة. وهذا الذي قالوه لا حجة لهم فيه، لأجل أن بعض هذه الأمور ربما آثرها لما في الطباع والنفوس إيثارها، وقد يؤثر من لا يتشرع أصلا أمر ما بحكم الطبع أو المنشأ والإلف.

وقد قالت المعتزلة: إنه لم يكن على شريعة، ولكنه كان على شريعة العقل، يجتنب ما يقبحه العقل، ويفعل ما يحسنه. ونحن نصرف ما صرفوه إلى العقل ما ذكرناه من مقتضى الطبع والإلف والعادة.

وأما الصائرون إلى تعيين رسول (ص ١٦٣):

فمن عين منهم عيسى صلى الله عليه وسلم اعتمد على كون شريعته آخر الشرائع التي قبل شريعتنا، والآخِر أحق أن يتبع في مثل هذا، وأشار هؤلاء إلى أن عيسى كان شريعته عامة، فالنبي عليه السلام يدخل في عموم من دعاء عيسى.

وهؤلاء خولفهم في تعميم شريعة عيسى، وقيل لهم: يجوز أن تكون غير عامة، ولو قلنا: إنها عامة فإنها يسقط اتباعها لاندراسها، وأصل شريعة النصارى عن أربعة: لوقا، ومرقص، ومتى، ويحنا، والعلم لا يقع بخبر أربعة.

وأما من قال هو إبراهيم، ومن قال: هو نوح فيتعلقون بقوله تعالى: (أن اتبع ملة

<<  <   >  >>