لكن هاهنا يختلف المسلمون ومن سواهم، فالمسلمون يقولون: الجميع خلق الله سبحانه، والمحققون من المسلمين [يرون] هذه الارتباطات عادات، سنة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله، وغيرهم من المخلطين، يخطبون في الظلمات، ويظنون أنهم يبصرون وهم في عمى.
فيقول بعضهم بالطبيعة، وبعضهم بالتولد، وبعضهم يربط شيئا بشيء، ويجعل واحدًا كائنًا عن واحد، حتى ينتهي إلى الفلك الأعلى فتفيض منه قوة على كل شيء فيأخذ كل شيء منها بقدر ما يقبل مزاجه المناسب لذلك الفيض، كالشمس نوره يسطع إذا أشرق على الأرض الكثيفة الصقيلة التي لا حائل بينها وبينه، ويفيض إشراقها على ما ليس بكثيف، ولا صقيل، وبينه وبينها حائل من غمام ونحوه، فيكون الإشراق بخلاف الأول، وما ذاك إلا لأن القابل من الشمس هاهنا خلاف القابل الآخر، وإلا فنور الشمس على حال واحدة، وكذلك الإنسان خلق في قلبه أو دماغه مزاجا ونورا، يقبل من هذا النور الأعلى بمقدار ما تحمله هذه الغريزة، والفطرة المخلوقة في الإنسان فهي مفقودة في البهيمة وموجودة بالكبير المجنون، ولكن حال بينها وبين القبول حائل كما يحول السحاب بين الجبل والشمس، فلا يلوح عليه إشراق الشمس، وقد يلوح عليه ضعيفا، بقدر السحاب. ولهذا اختلف أحوال العقل والعاقلين، فواحد فيه مبدأ هذه الغريزة، ولكنها لم تكمل كالطفل، وآخر بخلاف.
فإلى هذا المعنى يرمز أبو المعالي، وهو مبلغ علمه، الذي أشار إليه على الجملة، لكن مسلكه فيه، غير مسلك أهل الإلحاد والتعطيل، وهو يعتقد أن الكل خلق الله سبحانه، وأنه قادر على خلق كل واحد من هذه الأمور، والروابط، من غير استناد إلى مخلوق آخر، ولا يعتقد أيضًا أن العلوم أنوار، ولا أن المحدث يفعل في غيره، ولا أن الفلك يخلق أو يؤثر، لكنه يرى افتقار (ال ...) معان أخر، إذا كملت في الإنسان كان عاقلا، وبكمالها وانتفاء الآفات عنها تكون كثرة علومه، ومعارفه، لكنه يبسط طريقته على أسلوب آخر، من أحاط علما بما قلناه جملة وتفصيلا تفطن لطريقته التي أشار إليها.
وإنما بسطنا القول في هذا قليلا لما رمز إليه أبو المعالي، لئلا يسبق إلى ظن الهجوم المجترئ سوء الظن بأبي المعالي، وبنسبه إلى الميل إلى مسلك لا يسلكه المحققون من المسلمين.