والأصل الذي بنوا عليه كله فاسد، ومنهدم، وقد أوضحناه حتى صار كالشمس، وبينا أنه لا فرق بين معلوم ومعلوم في جواز العلم به، وأن الله سبحانه قادر على أن يخلق لنا العلم بهذا المعلوم بدلا من العلم بمعلوم آخر، وإنما المحال أن يعلم ما لا يتناهى على التفصيل لما بينّاه، فمن المقدور أن يعلمنا الباري حقيقة هذا الجذب، وكيفية ما في المغناطيس من خواص، أو غيرها، وهل قوة ما في المغناطيس إلا كقوة في الفلفل مغذ بها؟ ولكن جرت عادة هؤلاء الأوائل أن ينظروا في هذه الأجسام إذا تلاقت بانفعال بعضها عن بعض، فإن علموا للانفعال علة وسببا، واستند لهم إلى مقدمة ضرورية قالوا هذا أمر طبيعي، وسببه كذا، وإن لم يعلموا لهذا المشاهد من الانفعال سببا ولا علة قالوا هذه خاصية، فيعبرون عن جهلهم بعلة الحكم بالخاصية.
ألا تراهم لما نظروا إلى الصبر، وإلى السقمونيا فوجدوا كل واحد من هذين يسهل البلغم والصفراء، وكانت عندهم مقدمة أن الصفراء حارة يابسة، والبلغم بارد رطب، ومقدمة ثانية وهي أن الصبر حار يابس، والسقمونيا حارة يابسة، ومقدمة ثالثة وهي أن الضد ينفي ضده، أنتجت هذه المقدمات علة إسهال الصبر، والسقمونيا للبلغم، لكون المزاجين ضدين، فضادت حرارة الصبر والسقمونيا برودة البلغم، فنافته ومنعته من مجاورتها، فأما الصفراء فلا منافاة بينها وبين الصبر، بل هما متناسبان، في كونهما حارين يابسين، فلم يعلم لإسهال الصبر الصفراء علة، لارتفاع التنافي بينهما، فعبروا عن جهالتهم هذه الخاصية، والذي أحوجهم إلى تحسين العبارة عن أنفسهم لما جهلوا، أصولهم الفاسدة التي يبنون عليها.
وأما من أراح قلبه من هذه الترهان واعتقد أن الله سبحانه فاعل كل شيء، وأن المحدث لا يفعل في غيره شيئا، والجواهر متماثلة فليس بعضها أن يفعل في بعض بأولى من أن يفعل ذلك البعض في الفاعل الذي فعل فيه، فليس إلا فعل الله سبحانه الذي يخلقه عند مجاورة بعضها لبعض، ومقابلة بعضها لبعض، عادة أجراها وسنة في الخليقة أمضاها ولن تجد لسنة الله تحويلا.
ونضايقهم في هذه الخاصية هل هي نفس جوهر المغناطيس؟ فإن قالوا: هي مجرد الذات من غير مزيد، قيل لهم: جوهر الحديد كجوهر المغناطيس، فلم اختص أحدهما بكونه جاذبا, والآخر مجذوبا؟
وإن قالوا: هو معنى يزيد على الجوهر، قيل لهم للجوهر صفات نفسية ومعنوية، فالمعنوية أعراضه المعقولة، كلونه، وطعمه ورائحته، وكونه، فأي هذه الأعراض هي