وإذا قدر قديما استحال تصور الكلام منه، والخرس نقص، وآفة، والنقائض والآفات يتعالى الله سبحانه عنها.
واختلفت طرق الأئمة في تعاليه عنها، هل ذلك عقلا أو سمعا، فقيل: العقول تقتضي أن الإله لا يكون ناقصا، ويكون العبد المربوب أكمل منه، وقد قال النبي عليه السلام في الصحيح في الدجال أنه أعور، وأن الله ليس بأعور، الحديث، فنبه على أن من الحجة على كذبه في دعوى الألوهية نقصه بالعور، والإله لا يكون ناقصا، وقيل بل تنفى أمثال هذه النقائص عن الباري بالسمع، وإجماع الموحدين على نفيها، وقد ذكر في كتب الكلام الاعتراض على هذه الطريقة، فإنها تتضمن إثبات الكلام بالكلام، لأن نفي النقص (...) والسمع هو كلام الله، فكأنا أثبتنا كلامه بكلامه.
وأجيب عن هذا بأن المعجزة تدل على صدق الرسول، (...) وكون المرسل متكلما، وفي حق من لم ينص (...)، فلو وقفت دلالتها على ثبوت الكلام لام (ص ٤٤) الإله وصفاته فيستعمل فهيا البرهان المستقيم، سوى نفي الألوهية عن الإله، وهل نفي الألوهية عن الإله إلا من جملة صفات الإله، وهو أشار هاهنا إلى إخراجها عن هذا النوع، ولأن [نفي] الانقسام عن الجوهر الفرد يتضح تصوير برهان الخلف فيه لمن طالع أدلة القوم عليه وأقر بها أنه لو كان ينقسم إلى غير نهاية لم يكن الفيل أكبر من الذرة، فلما كان الفيل أكبر منها دل على أنه يقف في القسمة عند حد، بمحصول أنه لما ثبت استحالة كونه لا يتناهى ثبت كونه متناهيًا، وأنت إذا تدبرت ما قلناه عنهم، من المثال يكون العالم متناهيا، وضعت في هذه المسألة مثل ما وضعك في تلك، فتأخذ من مذهب الخصم في أنه لا يتناهى تجعله مقدمة كالشكوك فيها فتقول: الجسم لا يتناهى، وتضيف إليه، كل شيئين لا يتناهيان فلا يكون أحدهما أكبر من الآخر، فالنتيجة أن جسما لا يكون أكبر من جسم، وقد علمنا بطلان هذه النتيجة بالحس والمشاهدة، فما كانت كاذبة باطلة إلا لبطلان إحدى مقدمتها، فلا سبيل إلى صرف الكذب إلى قولنا: لكل جسمين لا يتناهيان فلا