للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ دُعَاءٍ عَلَى أَنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ بِالِاسْتِنْبَاطِ أَنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ إذَا قُصِدَ بِهِ نَفْعُ الْمَيِّتِ نَفَعَهُ إذْ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الْقَارِئَ لَمَّا قَصَدَ بِقِرَاءَتِهِ نَفْعَ الْمَلْدُوغِ نَفَعَتْهُ.

وَأَقَرَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ بِقَوْلِهِ «وَمَا يَدْرِيَك أَنَّهَا رُقْيَةٌ» وَإِذَا نَفَعَتْ الْحَيَّ بِالْقَصْدِ كَانَ نَفْعُ الْمَيِّتِ بِهَا أَوْلَى انْتَهَى وَسَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ ابْنُ الرِّفْعَةِ (وَلَكِنْ) يَنْفَعُهُ (صَدَقَاتٌ) عَنْهُ (وَدُعَا) لَهُ مِنْ وَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ بِالْإِجْمَاعِ، وَالْأَخْبَارِ كَخَبَرِ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إلَّا مِنْ ثَلَاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ أَوْ عِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وَخَبَرِ «سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ» رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: ١٠] أَثْنَى عَلَيْهِمْ بِالدُّعَاءِ لِلسَّابِقِينَ قَالَ الشَّافِعِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَفِي وُسْعِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يُثِيبَ الْمُتَصَدِّقَ أَيْضًا وَمِثْلُهُ الدَّاعِي بَلْ أَوْلَى وَلَا يَنْفَعُهُ تَضْحِيَةُ غَيْرِهِ عَنْهُ بِغَيْرِ إيصَاءٍ كَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمِنْهَاجِ كَأَصْلِهِ وَنَقَلَهُ فِي الرَّوْضَةِ وَأَصْلِهَا عَنْ الْبَغَوِيّ ثُمَّ قَالَا.

وَالْقِيَاسُ تَجْوِيزُهَا لِأَنَّهَا ضَرْبٌ مِنْ الصَّدَقَةِ انْتَهَى وَيُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ فَتَجِبُ نِيَّةُ مَنْ تَقَعُ عَنْهُ

وَ (لَوْ اُسْتُحِقَّ) أَوْ تَلِفَ (ثُلُثَا مَا أُوصِيَا بِثُلْثِهِ فَهْوَ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ مِنْ الثُّلُثِ (الَّذِي قَدْ بَقِيَا) فَإِنْ احْتَمَلَهُ ثُلُثُ التَّرِكَةِ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ إذْ الْمَقْصُودُ إرْفَاقُ الْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا فَفِيمَا يَحْتَمِلُهُ ثُلُثُهَا مِنْهُ (وَلَوْ بِجُزْءٍ أَوْ نَصِيبٍ أَوْ بِحَظْ أَوْ سَهْمٍ أَوْ ثُلْثٍ) مِنْ مَالِهِ (سِوَى شَيْءٍ لَفَظْ) أَيْ أَوْصَى (فَاحْمِلْ) كُلًّا مِنْهَا (عَلَى مُمَوَّلٍ أَقَلِّهِ) بِالْجَرِّ بِالْبَدَلِيَّةِ أَيْ عَلَى أَقَلِّ مُمَوَّلٍ حَتَّى يَقْبَلَ تَفْسِيرَهَا بِهِ مِنْ الْوَارِثِ لِوُقُوعِهَا عَلَى الْقَلِيلِ، وَالْكَثِيرِ وَكَذَا لَوْ قَالَ أَعْطُوهُ كَثِيرًا أَوْ عَظِيمًا مِنْ مَالِي كَمَا فِي الْإِقْرَارِ

(وَ) لَوْ أَوْصَى (بِنَصِيبِ ابْنٍ لَهُ وَمِثْلِهِ) أَيْ أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِهِ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ

ــ

[حاشية العبادي]

(قَوْلُهُ: إنَّ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْخَبَرُ إلَخْ) هَذَا لَا يُنَافِي مَا حُمِلَ عَلَيْهِ كَلَامُهُمْ لِجَوَازِ أَنْ يُرَادَ هُنَا نَفْعُ الْمَيِّتِ بِغَيْرِ حُصُولِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لَهُ كَحُصُولِ الرَّحْمَةِ لَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ عَلَى أَنَّهُ لَوْ أُرِيدَ هُنَا النَّفْعُ بِحُصُولِ مَا ذُكِرَ لَمْ يَضُرَّ وَيَكُونُ هَذَا اسْتِدْرَاكًا عَلَى الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ (قَوْلُهُ: أَنْ يُثِيبَ الْمُتَصَدِّقَ أَيْضًا) يُفِيدُ حُصُولَ ثَوَابِ الصَّدَقَةِ لِلْمَيِّتِ وَكَتَبَ أَيْضًا عِبَارَةَ الرَّوْضِ وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الْمُتَصَدِّقِ شَيْءٌ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَ صَدَقَتَهُ أَيْ يَنْوِ بِهَا عَنْ أَبَوَيْهِ اهـ فَعُلِمَ أَنَّ مَعْنَى نَفْعِ الصَّدَقَةِ لَهُ أَنْ يَصِيرَ كَأَنَّهُ تَصَدَّقَ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَاسْتِبْعَادُ الْإِمَامِ لَهُ رَدَّهُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ بِأَنَّهُ ظَاهِرُ السُّنَّةِ وَيُفَارِقُ الدُّعَاءُ بِأَنَّهُ شَفَاعَةٌ أَجْرُهَا لِلشَّافِعِ وَمَقْصُودُهَا لِلْمَشْفُوعِ لَهُ حَجَرٌ.

(قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ الدَّاعِي) يَظْهَرُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فَإِنَّ مَعْنَى نَفْعِ الدُّعَاءِ لَهُ كَمَا قَالَهُ السُّبْكِيُّ حُصُولُ الْمَدْعُوِّ بِهِ لَهُ عِنْدَ الْقَبُولِ وَلَيْسَ ذَلِكَ مِنْ عَمَلِ الْمَيِّتِ وَلَا يُسَمَّى ثَوَابًا أَمَّا نَفْسُ الدُّعَاءِ فَثَوَابُهُ لِلدَّاعِي لَا لِلْمَيِّتِ نَعَمْ دُعَاءُ الْوَلَدِ يَحْصُلُ فِيهِ نَفْسُ ثَوَابِ الدُّعَاءِ لِوَالِدِ الْمَيِّتِ لِخَبَرٍ «إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ» السَّابِقِ جَعَلَ دُعَاءَ وَلَدِهِ مِنْ عَمَلِهِ وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْهُ وَيُسْتَثْنَى مِنْ انْقِطَاعِ الْعَمَلِ إذَا أُرِيدَ نَفْسُ الدُّعَاءِ أَمَّا الْمَدْعُوُّ بِهِ فَلَيْسَ مِنْ عَمَلِهِ اهـ (قَوْلُهُ مَنْ يَقَعُ عَنْهُ) أَيْ أَوْ نَائِبِهِ وَلَا يَكُونُ إلَّا بِالْإِيصَاءِ

(قَوْلُهُ: أَوْ تَلِفَ) هَذَا خِلَافُ مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ عَنْ أَصْلِهِ فَإِنَّهُ لَمَّا قَرَّرَ مَسْأَلَةَ الِاسْتِحْقَاقِ قَالَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْأَصْلِ وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ صُبْرَةٍ فَتَلِفَ ثُلُثَاهَا فَلَهُ ثُلُثُ الْبَاقِي أَيْ لَا الْبَاقِي وَإِنْ احْتَمَلَهُ الثُّلُثُ؛ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنَاوَلَتْ التَّالِفَ كَمَا تَنَاوَلَتْ الْبَاقِيَ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ اهـ فَلْيُتَأَمَّلْ إلَّا أَنْ يُجَابَ بِأَنَّ مَا نَقَلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ مُخْتَصٌّ بِالْمِثْلِيِّ وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مَحْمُولٌ عَلَى الْمُتَقَوِّمِ وَيُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي شَرْحِ الرَّوْضِ بِخِلَافِ نَظِيرِهِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ يَقْتَضِي تَخَالُفَ حُكْمِ التَّلَفِ، وَالِاسْتِحْقَاقِ مُطْلَقًا فَلْيُتَأَمَّلْ (قَوْلُهُ: مَا أَوْصَيَا بِثُلُثِهِ) فَرْضُهُ فِي الرَّوْضِ فِي عَبْدٍ اُسْتُحِقَّ ثُلُثَاهُ (قَوْلُهُ فَهُوَ الَّذِي قَدْ بَقِيَا) وَقِيلَ يَبْقَى فِي ثُلُثِ الْبَاقِي وَهُوَ تُسْعُ الْكَامِلِ كَذَا بِخَطِّ شَيْخِنَا وَمِنْهُ يَظْهَرُ بَيَانِيَّةُ مِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ الثُّلُثِ وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ فَلِلْمُوصَى لَهُ الثُّلُثُ الْبَاقِي اهـ.

(قَوْلُهُ: سِوَى شَيْءٍ) أَوْ سِوَى قَلِيلٍ وَقَوْلُهُ عَلَى مُمَوَّلٍ رَاجِعٌ لِثُلُثٍ وَقَوْلُهُ أَقَلُّهُ خَرَجَ الْمُخْتَصَّاتُ نَظَرًا لِلْعُرْفِ بِرّ

ــ

[حاشية الشربيني]

لِلْمَيِّتِ إنْ كَانَتْ الْقِرَاءَةُ بِحَضْرَتِهِ أَوْ بِنِيَّتِهِ أَوْ بِالدُّعَاءِ يَحْصُلُ ثَوَابُهَا لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ ق ل عَلَى الْجَلَالِ ثُمَّ قَالَ، وَقَالَ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ إنَّ ثَوَابَ جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ عَنْ الْمَيِّتِ يَحْصُلُ لَهُ حَتَّى الصَّلَاةِ، وَالِاعْتِكَافِ، وَإِنْ كَانَ مَرْجُوحًا عِنْدَنَا. اهـ. وَقَوْلُهُ حَتَّى الصَّلَاةِ أَيْ بِأَنْ يُصَلِّي مَثَلًا، وَيُهْدِيَ ثَوَابَهَا لِلْمَيِّتِ لَا أَنَّهَا كَانَتْ عَلَيْهِ، وَفَعَلَهَا عَنْهُ، وَفِي قَوْلٍ ضَعِيفٍ عِنْدَنَا يَجُوزُ لِلْوَارِثِ فِعْلُهَا عَنْهُ، وَفِي آخَرَ يُخْرِجُ عَنْ كُلِّ صَلَاةٍ مُدًّا (قَوْلُهُ عَلَى أَنَّ الَّذِي دَلَّ إلَخْ) فِي هَذَا الِاسْتِنْبَاطِ نَظَرٌ قَالَهُ الْأَذْرَعِيُّ. اهـ. نَاشِرِيٌّ، وَلَعَلَّ وَجْهَهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي حُصُولِ مِثْلِ ثَوَابِ الْقِرَاءَةِ لَا فِي مُجَرَّدِ النَّفْعِ (قَوْلُهُ: إنَّ بَعْضَ الْقُرْآنِ) أَيْ، وَهُوَ الْفَاتِحَةُ لِأَنَّهَا الَّتِي وَقَعَتْ الرُّقْيَا بِهَا (قَوْلُهُ: وَمِثْلُهُ إلَخْ) مِنْ كَلَامِ الشَّارِحِ

(قَوْلُهُ: بَلْ أَوْلَى) لَعَلَّ وَجْهَ الْأَوْلَوِيَّةِ أَنَّ الدُّعَاءَ عِبَادَةٌ فَتَأَمَّلْهُ

(قَوْلُهُ: مِنْ الثُّلُثِ الَّذِي قَدْ بَقِيَا) فَإِنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ غَيْرَ الْمُوصَى بِثُلُثِهِ يُحْتَمَلُ مَعَهُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ نَفَذَتْ الْوَصِيَّةُ فِيهِ، وَإِلَّا فَفِيمَا يَحْتَمِلُهُ ثُلُثُهَا كَمَا قَالَ

(قَوْلُهُ: بِنَصِيبِ ابْنٍ لَهُ) أَيْ قَالَ بِنَصِيبِ ابْنِي أَوْ بِمِثْلِ نَصِيبِ ابْنِي فَقَوْلُهُ لَهُ لَيْسَ مِنْ عِبَارَةِ الْمُوصِي بَلْ بَيَانٌ لِمَعْنَى الْإِضَافَةِ الَّتِي تَرَكَهَا الْحَاوِي؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ، وَبِنَصِيبِ ابْنٍ، وَمِثْلُهُ. اهـ. وَعِبَارَةُ الرَّوْضِ

<<  <  ج: ص:  >  >>