للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خبر مسلم «لا تحرم المصة والمصتان»

وما دل على التقدير فمنسوخ (١) صرح بنسخه ابن عباس رضي الله تعالى عنهما حين قيل له: إن الناس يقولون: إن الرضعة لا تحرم فقال: كان ذلك ثم نسخ.

وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: آل أمر الرضاع إلى أن قليله وكثيرة يحرم، وروي عن ابن عمر أن القليل يحرم، وعنه أنه قيل له: إن الزبير يقول: لا بأس الرضعة والرضعتين فقال: قضاء الله تعالى خير من قضاء ابن الزبير، وتلا الآية، وقال الشافعي عليه الرحمة على ما نقله أصحابنا (٢) عنه لا يثبت التحريم إلا بخمس رضعات مشبعات في خمسة أوقات متفاصلة عرفا، وعن أحمد روايتان كقولنا وكقوله، واستدل على ذلك بما

أخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث الزبير أنه قال: قال صلى الله تعالى عليه وسلم: لا تحرم المصة والمصتان ولا الإملاجة والإملاجتان،

ووجه الاستدلال بذلك بأن المصة داخلة في المصتين، والإملاجة في الإملاجتين، فحاصله لا تحرم المصتان ولا الإملاجتان فنفى التحريم على أربع فلزم أن يثبت بخمس.

واعترضه ابن الهمام بأنه ليس بشيء، أما أولا فلأن مذهب الشافعي ليس التحريم بخمس مصات بل بخمس شبعات في أوقات، وأما ثانيا فلأن المصة فعل الرضيع والإملاجة الإرضاعية فعل المرضعة، فحاصل المعنى أنه صلى الله تعالى عليه وسلم نفى كون الفعلين محرمين منه ومنها ثم حقق أن ما في هذه الرواية لا ينبغي أن يكون حديثا واحدا بأن الاملاج ليس حقيقة المحرم بل لازمه من الارتضاع فنفي تحريم الاملاج نفي تحريم لازمه فليس الحاصل من لا تحرم الاملاجتان إلا لا يحرم لازمهما أعني المصتين فلو جمعا في حديث كان الحاصل لا تحرم المصتان ولا المصتان فلزم أن لا يصح أن يراد إلا المصتان لا الأربع، وعلى هذا يجب كون الراوي وهو الزبير رضي الله تعالى عنه- أراد أن يجمع بين ألفاظه صلى الله تعالى عليه وسلم التي سمعها منه في وقتين كأنه قال: «

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا تحرم المصة والمصتان» وقال أيضا: «لا تحرم الإملاجة والإملاجتان» .

وقيل: في وجه الاستدلال طريق آخر، وهو أن الحديث ناف لما ذهب إليه الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه فيثبت به مذهب الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لعدم القائل بالفصل، واعترض بأن القائل بالفصل أبو ثور وابن المنذر وداود وأبو عبيد، وهؤلاء أئمة الحديث قالوا: المحرم ثلاث رضعات، والقول بعدم اعتبار قولهم في حيز المنع لقوة وجهه بالنسبة إلى وجه قول الشافعي.

واستدل بعض أصحابه على هذا المطلب بما رواه مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن ثم نسخن بخمس رضعات معلومات يحرمن فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهي فيما يقرأ من القرآن، وفي رواية أنه كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تشاغلنا بموته فدخلت دواجن فأكلتها، وبما

روي عن عائشة أيضا قالت: جاءت سهلة بنت سهيل امرأة أبي حذيفة إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إني أرى في وجه أبي حذيفة من دخول سالم وهو حليفه فقال صلّى الله عليه وسلم: «أرضعي سالما خمسا تحرمي بها عليه»

والجواب أن جميع ذلك منسوخ كما صرح بذلك ابن عباس فيما مر.

ويدل على نسخ ما في خبر عائشة الأول أنه لو لم يكن منسوخا لزم ضياع بعض القرآن الذي لم ينسخ والله تعالى قد تكفل بحفظه، وما في الرواية لا ينافي النسخ لجواز أن يقال: إنها رضي الله تعالى عنها أرادت أنه كان مكتوبا


(١)
كحديث «يا نبي الله هل تحرم الرضعة الواحدة؟ قال: لا»

اهـ منه.
(٢) وإنما قيدنا بذلك لأن قيد «مشبعات» خلاف ما يدل عليه كتب مذهبه اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>