وروي عن ابن عمر أنه قال:«إذا جامع الرجل المرأة أو قبلها أو لمسها بشهوة أو نظر إلى فرجها بشهوة حرمت على أبيه وابنه وحرمت عليه أمها وبنتها» .
(فإن قلت) هب أنه يدخل اللمس في صريحه فكيف يدخل نظيره فيه؟ (أجيب) بأنه داخل بدلالة النص، وما ذكر من مخالفة صريح الشرط مبني على اعتبار مفهوم الشرط، ونحن لا نقول به مع أنه غير عام، وبتقدير عمومه لا يبعد القول بالتخصيص فتدبر، والزنا في الفرج محرم عندنا فمن زنى بامرأة حرمت عليه بنتها خلافا للشافعي حيث ذهب إلى أن الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة لأنها نعمة فلا تنال بمحظور،
ولقوله صلّى الله عليه وسلم:«لا يحرم الحرام الحلال»
ولنا أن الوطء سبب للولد يتعلق به التحريم قياسا على الوطء الحلال، ووصف الحل لا دخل له في المناط فإن وطء الأمة المشتركة وجارية الابن والمكاتبة والمظاهر منها وأمته المجوسية والحائض والنفساء ووطء المحرم والصائم كله حرام، وتثبت به الحرمة المذكورة، ويدل ذلك على أن المعتبر في الأصل هو ذات الوطء من غير نظر لكونه حلالا أو حراما.
وروي «أن رجلا قال: يا رسول الله إني زنيت بامرأة في الجاهلية أفأنكح ابنتها فقال صلّى الله عليه وسلم: لا أرى ذلك ولا يصلح أن تنكح امرأة تطلع من ابنتها على ما تطلع عليه منها» ،
وهذا وإن كان فيه إرسال وانقطاع لكن جئنا به في مقابلة خبرهم وقد طعن فيه المحدثون، وذكره عبد الحق عن ابن عمر ثم قال: في إسناده إسحاق بن أبي فروة وهو متروك على أنه غير مجري على ظاهره، أرأيت لو بال أو صب خمرا في ماء قليل ألم يكن حراما مع أنه يحرم استعماله فيجب كون المراد منه أن الحرام لا يحرم باعتبار كونه حراما وحينئذ نقول بموجبه إذ لم نقل بإثبات الزنا حرمة المصاهرة باعتبار كونه زنا بل باعتبار كونه وطءا، وأجاب صاحب الهداية عن قولهم في تعليل كون الزنا لا يوجب حرمة المصاهرة بأنها نعمة فلا تنال بمحظور بأن الوطء يحرم من حيث إنه سبب للولد لا من حيث ذاته ولا من حيث أنه زنا، وفي فتح القدير أن هذا القول مغلطة فإن النعمة ليست التحريم من حيث هو تحريم لأنه تضييق ولذا اتسع الحل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم نعمة من الله سبحانه وتعالى بل من حيث هو يترتب على المصاهرة فحقيقة النعمة هي المصاهرة لأنها التي تصير الأجنبي قريبا عضدا وساعدا يهمه ما أهمك ولا مصاهرة بالزنا، فالصهر زوج البنت مثلا لا من زنا ببنت الإنسان فانتفت الصهرية وفائدتها أيضا إذ الإنسان ينفر من الزاني ببنته فلا يتعرف به بل يعاديه فأنى ينتفع به، والمنقولات متكافئة فالمرجع القياس، وقد بينا فيه إلغاء وصف زائد على كونه وصفا، وتمام الكلام في المبسوطات من كتب أئمتنا فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا أي فيما قبل دَخَلْتُمْ بِهِنَّ أي بأولئك النساء أمهات الربائب فَلا جُناحَ أي فلا إثم عَلَيْكُمْ أصلا في نكاح بناتهن إذا طلقتموهن، أو متن، وهذا تصريح بما أشعر به ما قبله، وفيه دفع توهم أن قيد الدخول كقيد الكون في الحجور، والفاء الأولى لترتيب ما بعدها على ما قبلها على طرز ما مر، وفي الاقتصار في بيان نفي الحرمة على نفي الدخول إشارة إلى أن المعتبر في الحرمة إنما هو الدخول دون كون الربائب في الحجور، وإلا لقيل: فإن لم تكونوا دخلتم بهن ولسن في حجوركم أو فإن لم تكونوا دخلتم بهن أو لسن في حجوركم جريا على العادة في إضافة نفي الحكم إلى نفي تمام العلة المركبة أو أحد جزأيها الدائر، وإن صح إضافته إلى نفي جزئها المعين لكنه خلاف المستمر من الاستعمال وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ أي زوجاتهم جمع حليلة سميت الزوجة بذلك لأنها تحل مع زوجها في فراش واحد، أو لأنها تحل معه حيث كان فهي فعيلة بمعنى فاعلة، وكذا يقال للزوج حليل، وقيل: اشتقاقهما من الحل لحل كل منهما إزار صاحبه، وقيل: من الحل إذ كل منهما حلال لصاحبه ففعيل بمعنى مفعول، والتاء في حليلة لإجرائها مجرى الجوامد ولو جعل فعيل في جانب الزوج بمعنى فاعل، وفي جانب الزوجة بمعنى مفعول كان