فيه نوع لطافة لا تخفى، والآية ظاهرة في تحريم الزوجة فقط، وأما حرمة من وطئها الابن ممن ليس بزوجة فبدليل آخر، وقال ابن الهمام: إن عتبروا الحليلة من حلول الفراش، أو حل الإزار تناول الموطوءة بملك اليمين أو شبهة أو زنا فيحرم الكل على الآباء وهو الحكم الثابت عندنا، ولا يتناول المعقود عليهما للابن أو بنيه، وإن سفلوا قبل الوطء والفرض أنها بمجرد العقد تحرم على الآباء وذلك باعتباره من الحل بالكسر، وقد قام الدليل على حرمة المزني بها للابن على الأب فيجب اعتباره في أعم من الحل والحل، ثم يراد بالأبناء الفروع فتحرم حليلة الابن السافل على الجد الأعلى وكذا ابن البنت وإن سفل، والظاهر من كلام اللغويين أن الحليلة الزوجة كما أشرنا إليه، واختار بعضهم إرادة المعنى الأعم الشامل لملك اليمين ليكون السر في التعبير بها هنا دون الأزواج أو النساء أن الرجل ربما يظن أن مملوكة ابنه مملوكة له بناء على أن الولد وماله لأبيه فلا يبالي بوطئها وإن وطئها الابن فنبهوا على تحريمها بعنوان صادق عليها وعلى الزوجة صدق العام على أفراده للإشارة إلى أنه لا فرق بينهما فتدبر، وحكم الممسوسات ونحوهن حكم اللاتي وطئهن الأبناء الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ صفة للأبناء، وذكر لاسقاط حليلة المتبنى، وعن عطاء أنها نزلت حين تزوج النبي صلّى الله عليه وسلم امرأة زيد بن حارثة رضي الله تعالى عنه فقال المشركون في ذلك، وليس المقصود من ذلك إسقاط حليلة الابن من الرضاع فإژنها حرام أيضا كحليلة الابن من
النسب.
وذكر بعضهم فيه خلافا للشافعي رضي الله تعالى عنه والمشهور عنه الوفاق في ذلك وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ في حيز الرفع عطف على ما قبله من المحرمات، والمراد جمعهما في النكاح لا في ملك اليمين، ولا فرق بين كونهما أختين من النسب أو الرضاعة حتى قالوا: لو كان له زوجتان رضيعتان أرضعتهما أجنبية فسد نكاحهما.
وحكي عن الشافعي أنه يفسد نكاح الثانية فقط ولا يحرم الجمع بين الأختين في ملك اليمين، نعم جمعهما في الوطء بملك اليمين ملحق به بطريق الدلالة لاتحادهما في المدار فيحرم عند الجمهور، وعليه ابن مسعود وابن عمر وعمار بن ياسر رضي الله تعالى عنهم.
واختلفت الرواية عن علي كرم الله تعالى وجهه، فأخرج البيهقي وابن أبي شيبة عنه أنه سئل عن رجل له أمتان أختان وطئ إحداهما ثم أراد أن يطأ الأخرى قال: لا حتى يخرجها من ملكه، وأخرجا من طريق أبي صالح عنه أنه قال: في الأختين المملوكتين أحلتهما آية وحرمتهما آية ولا آمر ولا أنهى ولا أحلل ولا أحرم ولا أفعله أنا ولا أهل بيتي، وروى عبد بن حميد عن ابن عباس أن الجمع مما لا بأس به، وحكي مثله عن عثمان رضي الله تعالى عنه، وعن عمر رضي الله تعالى عنه أنه قال: ما أحب أن أجيز الجمع ونهى السائل عنه، وزعم بعضهم أن الظاهر أن القائل بالحل من الصحابة رضي الله تعالى عنهم رجع إلى قول الجمهور، وإن قلنا بعدم الرجوع فالإجماع اللاحق يرفع الخلاف السابق، وإنما يتم إذا لم يعتد بخلاف أهل الظاهر وبتقدير عدمه فالمرجح التحريم عند المعارضة، وإذا تزوج أخت أمته الموطوءة صح النكاح وحرم وطء واحدة منهما حتى يحرم الموطوءة على نفسه بسبب من الأسباب فحينئذ يطأ المنكوحة لعدم الجمع- كالبيع كلّا أو بعضا- والتزوج الصحيح والهبة مع التسليم والإعتاق كلّا أو بعضا والكتابة- ولو تزوج الأخت نكاحا فاسدا لم تحرم عليه أمته الموطوءة إلا إذا دخل بالمنكوحة فحينئذ تحرم الموطوءة لوجود الجمع بينهما حقيقة، ولا يؤثر الإحرام والحيض والنفاس والصوم وكذا الرهن والإجارة والتدبير لأن فرجها لا يحرم بهذه الأسباب، وإذا عادت الموطوءة إلى ملكه بعد الإخراج سواء كان بفسخ أو شراء جديد لم يحل وطء واحدة منهما حتى يحرم الأمة على نفسه بسبب كما كان أولا، وظاهر قولهم: لا يحل الوطء حتى يحرم أن النكاح صحيح، وقد نصوا على ذلك وعللوه بصدوره عن أهله مضافا إلى محله، وأورد عليه أن المنكوحة موطوءة حكما باعترافهم