للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه المسألة نقلها الأسنوي في التمهيد ولم يبين وجهها، ولم نر لأئمتنا فيها كلاما انتهى كلامه.

ولم يبين رحمه الله تعالى السر في مخالفة هذين الحالين على وجه يتضح به ما ذكره في المسألة، وبين العلامة الطيبي فائدتها غير أنه لم يتعرض لهذا الفرق فقال: فائدتها- والعلم عند الله تعالى- الإشعار بأن قربان الصلاة مع السكر مناف لحال المسلمين، ومن يناجي الحضرة الصمدانية دل عليه الخطاب بأنتم ولهذا قرنه بقوله سبحانه:

حَتَّى تَعْلَمُوا إلخ، والمجنبون لا يعدمون إحضار القلب، ومن ثمّ رخص لهم بالأعذار فتأمل جدا،- والجنب- من أصابته الجنابة يستوي فيه على اللغة الفصيحة المذكر والمؤنث. والواحد والتثنية والجمع لجريانه مجرى المصدر وإن لم يكنه- كما قاله بعض المحققين- ومن العرب من يثنيه ويجمعه فيقول جنبان وأجناب وجنوب، واشتقاقه كما قال أبو البقاء: من المجانبة وهي المباعدة إِلَّا عابِرِي أي مجتازي سَبِيلٍ أي طريق، والمراد إلا مسافرين وهو استثناء مفرغ من أعم الأحوال محله النصب على أنه حال من ضمير لا تَقْرَبُوا باعتبار تقييده بالحال الثانية دون الأولى، والعامل فيه معنى النهي أي لا تقربوا الصلاة جنبا في حال من الأحوال إلا حال كونكم مسافرين على معنى أنه في حالة السفر ينتهي حكم النهي لكن لا بطريق شمول النفي لجميع صورها بل بطريق نفي الشمول في الجملة من غير دلالة على انتفاء خصوصية البعض المنتفي ولا على بقاء خصوصية البعض الباقي ولا ثبوت نقيضه لا كليا ولا جزئيا فإن الاستثناء لا يدل على ذلك عبارة، نعم يشير إلى مخالفة حكم ما بعده لما قبله إشارة إجمالية يكتفى بها في المقامات الخطابية لا في إثبات الأحكام الشرعية، فإن ملاك الأمر في ذلك إنما هو الدليل، وقد ورد عقيبه على طريق البيان، قاله المولى شيخ الإسلام، وقيل: هو صفة لجنبا على أن إِلَّا بمعنى غير، واعترض بأن مثل هذا إنما يصح عند تعذر الاستثناء ولا تعذر هنا لعموم النكرة بالنفي، وأجيب بأن هذا الشرط في التوصيف ذكره ابن الحاجب، وقد خالفه فيه النحاة، ورجح بعضهم الوصفية بناء على أن الكلام على تقدير الاستثناء يفيد الحصر ولا حصر لورود المريض إشكالا عليه بخلافه على تقدير الوصفية، وادعى البعض إفادة الكلام له مطلقا وأن المريض يرد إشكالا إلا أن يؤول- كما ستعرفه- ومن حمل الصلاة على مواضعها فسر العبور بالاجتياز بها وجوز للجنب عبور المسجد،- وبه قال الشافعي رحمه الله تعالى- والمشهور عندنا منع الجنب المسجد مطلقا، ورخص علي كرم الله تعالى وجهه كما في خبر الترمذي عن أبي سعيد بناء على ما فسره ضرار بن صرد حين سأله عن معناه علي بن المنذر، وكونه كرم الله تعالى وجهه رخص ثم منع لم يثبت عندي، وإن نقله البعض، ونقل الجصاص في الأحكام أنه لا يجوز الدخول إلا أن يكون الماء أو الطريق فيه، وعن الليث أن الجنب لا يمرّ فيه إلا أن يكون بابه في المسجد، فقد روي أن رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد وكان يصيبهم الجنابة ولا يجدون ممرا إلا فيه فرخص لهم في ذلك حَتَّى تَغْتَسِلُوا غاية للنهي عن قربان الصلاة حال الجنابة، ولعل تقديم الاستثناء عليه- كما قال شيخ الإسلام- للإيذان من أول الأمر بأن حكم النهي في هذه السورة ليس على الإطلاق كما في صورة السكر تشويقا إلى البيان وروما لزيادة تقربه في الأذهان، وقيل: لما لم يكن لقوله سبحانه: حَتَّى تَغْتَسِلُوا مدخل في المقصود إذ المقصود إنما هو صحة الصلاة جنبا أخره وقدم الاستثناء عليه، وكان الظاهر عدم ذكره لذلك إلا أنه ذكره تنبيها على أن الجنابة إنما ترتفع بالاغتسال، وفي الآية الكريمة رمز إلى أنه ينبغي للمصلي أن يتحرز عما يلهيه ويشغل قلبه، وأن يزكي نفسه عما يدنسها لأنه إذا وجب تطهير البدن فتطهير القلب أولى أو لأنه إذا صين موضع الصلاة عمن به حدث فلأن يصان القلب الذي هو عرض الرحمن عن خاطر غير طاهر ظاهر الأولوية وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى تفصيل لما أجمل في الاستثناء وبيان ما هو في حكم المستثنى من الأعذار، والاقتصار فيما قبل على استثناء السفر مع مشاركة الباقي له في حكم الترخيص

<<  <  ج: ص:  >  >>