للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للإشعار بأنه العذر الغالب المبني على الضرورة الذي (١) يدور عليها أمر الرخصة، ولهذا قيل: المراد بغير عابِرِي سَبِيلٍ غير معذورين بعذر شرعي إما بطريق الكناية أو بإيماء النص ودلالته.

وبهذا يندفع الإيراد السابق على الحصر- وإنما لم يقل: إلا عابري سبيل أو مرضى فاقدي الماء حسا أو حكما- لما أن ما في النظم الكريم أبلغ وأوكد منه لما فيه من الإجمال والتفصيل، ومعرفة تفاضل العقول والأفهام، والمراد بالمرض ما يمنع من استعمال الماء مطلقا سواء كان بتعذر الوصول إليه أو بتعذر استعماله، وأخرج ابن جريج عن ابن مسعود أنه قال: المريض الذي قد أرخص له في التيمم الكسير والجريح فإذا أصابته الجنابة لا يحل جراحته إلا جراحة لا يخشى عليها، وأخرج البيهقي في المعرفة عن ابن عباس يرفعه «إذا كانت بالرجل الجراحة في سبيل الله تعالى أو القروح أو الجدري فيجنب فيخاف إن اغتسل أن يموت فليتيمم» والذي تقرر في الفروع: أن المريض الذي يخاف إذا استعمل الماء أن يشتد مرضه يتيمم، ولا فرق بين أن يشتد مرضه بالتحرك- كالمبطون- أو بالاستعمال- كمن به حصبة أو جدري- ولم يشترط أصحابنا خوف التلف لظاهر النص وهو بإطلاقه يبيح التيمم لكل مريض إلا أن في بعض الآيات ما أخرج من لا يشتد مرضه، وتفصيل ذلك في كتب الفقه. أَوْ عَلى سَفَرٍ عطف على مرضى أي أو كنتم على سفر ما طال أو قصر، ولعل اختيار هذا على نحو مسافرين لأنه أوضح في المقصود منه، وفي الهداية: ومن لم يجد الماء وهو مسافر أو خارج المصر بينه وبين المصر ميل أو أكثر يتيمم، والظاهر أن حكم من هو خارج المصر غير مسافر كما يقتضيه العطف معلوم بالقياس لا بالنص وإيراد المسافر صريحا مع سبق ذكره بطريق الاستثناء لبناء الحكم الشرعي عليه وبيان كيفيته. فإن الاستثناء- كما أشار إليه شيخ الإسلام- بمعزل من الدلالة على ثبوته فضلا عن الدلالة على كيفيته، وقيل: ذكر السفر هنا لإلحاق المرض به والتسوية بينه وبينه بإلحاق الواجد بالفاقد بجامع العجز عن الاستعمال، وهذه الشرطية ظاهرة على رأي من حمل الصلاة على مواضعها، وفسر العبور بالاجتياز بها إذ ليس فيها حينئذ ما يتوهم منه شائبة التكرار بل هي عنده بيان حكم آخر لم يذكر قبل، وأيد بأن القراء كلهم استحبوا الوقف عند قوله سبحانه: حَتَّى تَغْتَسِلُوا ويبتدئون بقوله تعالى: وَإِنْ كُنْتُمْ إلخ بل التعبير بالقرب يومىء إلى حمل الصلاة على ذلك لأن حقيقة القرب والبعد في المكان وكذا التعبير ب عابِرِي سَبِيلٍ هناك، وب عَلى سَفَرٍ هنا فيه إيماء إلى الفرق بين ما هنا وما هناك إلا أن الكثير على خلافه. وإنما قدم المرض على السفر للإيذان بأصالته واستقلاله بأحكام لا توجد في غيره، وقيل: لأنه سبب النزول،

فقد أخرج ابن جريج عن إبراهيم النخعي قال: «نال أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم جراحة ففشت فيهم ثم ابتلوا بالجنابة فشكوا ذلك إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فنزلت وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى الآية كلها»

وهذا خلاف ما عليه الجمهور حيث

رووا أن نزولها في غزوة المريسيع «حين عرس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة فسقطت عن عائشة رضي الله تعالى عنها قلادة لأسماء فلما ارتحلوا ذكرت ذلك لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم فبعث رجلين في طلبها فنزلوا ينتظرونهما فأصبحوا وليس معهم ماء فأغلظ أبو بكر على عائشة رضي الله تعالى عنها، وقال حبست رسول الله صلّى الله عليه وسلّم والمسلمين على غير ماء فنزلت فلما صلوا بالتيمم جاء أسيد بن الحضير إلى مضرب عائشة فجعل يقول: ما أكثر بركتكم يا آل أبي بكر- وفي رواية- يرحمك الله تعالى يا عائشة ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله تعالى فيه للمسلمين فرجا»

وهذا يدل على أن سبب النزول كان فقد الماء في السفر وهو ظاهر أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ هو المكان المنخفض، وجاء الغيط بفتح الغين وسكون الياء، وبه قرأ ابن مسعود رضي الله تعالى


(١) قوله «الذي» كذا بخطه، ولعله «التي» اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>