للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بتحمل تلك الأمانة أما لو ردها فلا، وكذا إن سكت أخذا من قولهم: لا ينسب لساكت قول، ويحتمل التفصيل بين أن تظهر منه قرينة تدل على الرضا وعدمه، وإذا قلنا بالوجوب، فالظاهر عند بعض أنه لا يلزمه قصد الموصى له بل إذا اجتمع به وذكر بلغه، وقال بعض المحققين الذي يتجه أنه يلزمه قصد محله حيث لا مشقة شديدة عرفا عليه لأن أداء الأمانة ما أمكن واجب، وفرق بعضهم بين أن يقول المرسل: قل له فلان يقول: السلام عليك وبين ما لو قال له سلم لي، والظاهر عدم الفرق وفاقا لما نقل عن النووي فيجب فيهما الرد ويسن الردّ على المبلغ والبداءة، فيقول: وعليك وعليه السلام للخبر المشهور فيه.

وأوجبوا ردّ سلام صبي أو مجنون مميز، وكذا سكران مميز لم يعص بسكره، وقول المجموع: لا يجب ردّ سلام مجنون وسكران يحمل على غير المميز وزعم أن الجنون والسكر ينافيان التمييز غفلة عما صرحوا به من عدم التنافي، ولا يجب ردّ سلام فاسق أو مبتدع زجرا له أو لغيره، وإن شرع سلامه، وكذا لا يجب ردّ سلام السائل لأنه ليس للتحية بل لأجل أن يعطي، ولا ردّ سلام المتحلل من الصلاة إذا نوى الحاضر عنده على الأوجه لأن المهم له التحلل وقصد الحاضر به لتعود عليه بركته وذلك حاصل، وإن لم يرد، وإنما حنث به الحالف على ترك الكلام، والسلام لأن المدار فيهما على صدق الاسم لا غير، وقد نص على ذلك علماء الشافعية ولم أر لأصحابنا سوى التصريح بالحنث فيمن حلف لا يكلم زيدا فسلم على جماعة هو فيهم، وأما التصريح بهذه المسألة فلم أره، وصرح في الضياء بعدم وجوب الرد لو قال المسلم: السلام عليك بجزم الميم، وكأنه على ما في تحفتنا لمخالفة السنة، وعليه لو رفع الميم بلا تنوين ولا تعريف كان كجزم الميم في عدم وجوب الرد لمخالفته السنة أيضا.

وجزم غير واحد من الشافعية أن صيغة السلام ابتداء وجوابا عليك السلام وعكسه، وأنه يجوز تنكير لفظه وإن حذف التنوين، وأنه يجزىء سلاما عليكم، وكذا سلام الله تعالى، بل وسلامي عليك وعكسه، واستظهر إجزاء سلمت، وأنا مسلم عليك، ونحو ذلك أخذا مما ذكروه أنه يجزىء في التشهد صلى الله تعالى على محمد والصلاة على محمد صلّى الله عليه وسلّم ونحوهما، ولا بأس فيما قالوه عندي، ولعل تفسير تحية في الآية لتشمل كل هذه الصيغ، وقال بعض الجماعة: السلام معرفة تحية الأحياء، ونكرة تحية الموتى، ورووا في ذلك خبرا والشيعة ينكرون مطلقا وينكرون.

وقد جاء عن ابن عباس وابن عمر وأبي هريرة وأنس «أن السلام في السلام اسم من أسماء الله تعالى» وهذا يقتضي أولوية التعريف أيضا فافهم، والأفضل في الرد واو قبله، ويجزىء بدونه على الصحيح، ويضر في الابتداء كالاقتصار في أحدهما على أحد جزئي الجملة، وإن نوى إضمار الآخر، وفي الكشف ما يؤيده، والخبر الذي فيه الاكتفاء- بو عليك- في الجواب لا يراد منه الاكتفاء على هذه اللفظة، بل المراد منه أنه صلّى الله عليه وسلّم أجاب بمثل ما سلم به عليه، ولم يزد كما يشعر به آخره، وذكر الطحاوي أن المستحب الرد على طهارة أو تيمم،

فقد أخرج الشيخان وغيرهما عن أبي الجهم قال: أقبل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من الغائط فلقيه رجل فسلم عليه فلم يرد عليه صلّى الله عليه وسلّم حتى أقبل على الحائط فوضع يده عليه ثم مسح وجهه ويديه، ثم رد على الرجل السلام»

والظاهر عدم الفرق بين الرد والابتداء في ذلك، ويسن السلام عينا للواحد وكفاية للجماعة كما أشرنا إليه ابتداء عند إقباله وانصرافه للخبر الصحيح الحسن «إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام، وفارق الرد بأن الإيحاش والإخافة في ترك الرد أعظم منهما في ترك الابتداء، وأفتى غير واحد بأن الابتداء أفضل- كإبراء المعسر أفضل من إنظاره- ويؤخذ من قولهم: ابتداء أنه لو أتى به بعد تكلم لم يعتد به، نعم يحتمل في تكلم سهوا أو جهلا، وعذر به أنه لا يفوت الابتداء فيجب جوابه، ومثل ذلك بل أولى لمشروعيته الكلام للاستئذان، فقد صرحوا بأنه إذا أتى دار إنسان يجب أن يستأذن قبل السلام ويسن إظهار البشر عنده،

<<  <  ج: ص:  >  >>