للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أخرج البيهقي عن الحسن قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إن من الصدقة أن تسلم على الناس وأنت منطلق الوجه»

وعن عمر «إذا التقى المؤمنان فسلم كل واحد منهما على الآخر وتصافحا كان أحبهما إلى الله تعالى أحسنهما بشرا لصاحبه» ويسن عليكم في الواحد، وإن جاء في بعض الآثار بالإفراد نظرا لمن معه من الملائكة، ويقصدهم ليردوا عليه فينال بركة دعائهم، ولو دخل بيتا ولم ير أحدا يقول: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فإن السكنة تردّ عليه، وفي الآكام إن في كل بيت سكنة من الجن، ويسن عند التلاقي سلام صغير على كبير، وماش على واقف أو مضطجع، وراكب عليهم، وراكب فرس على راكب حمار، وقليلين على كثيرين لأن نحو الماشي يخاف من نحو الراكب، ولزيادة نحو مرتبة الكبير على نحو الصغير، وخرج بالتلاقي الجالس والواقف والمضطجع، فكل من ورد على أحدهم يسلم عليه مطلقا ولو سلم كل على الآخر فإن ترتبا كان الثاني جوابا أي ما لم يقصد به الابتداء وحده- كما قيل- وإلا لزم كلّا الرد، وكره أصحابنا السلام في مواضع، وفي النهر عن صدر الدين الغزي:

سلامك مكروه على من ستسمع ... ومن بعد ما أبدى يسن ويشرع

مصلّ وتال ذاكر ومحدث ... خطيب ومن يصغي إليهم ويسمع

مكرر فقه جالس لقضائه ... ومن بحثوا في الفقه دعهم لينفعوا

مؤذن أيضا مع مقيم مدرس ... كذا الأجنبيات الفتيات أمنع

ولعاب شطرنج وشبه بخلقهم ... ومن هو مع أهل له يتمتع

ودع كافرا أيضا ومكشوف عورة ... ومن هو في حال التغوط أشنع

ودع آكلا إلا إذا كنت جائعا ... وتعلم منه أنه ليس يمنع

كذلك أستاذ مغنّ مطير ... فهذا ختام والزيادة تنفع

فلو سلم على هؤلاء لا يستحق الرد عند بعضهم، وأوجب بعض الرد في بعضها وذكر الشافعية أن مستمع الخطيب يجب عليه الرد، وعندنا يحرم الرد كسائر الكلام بلا فرق بين قريب وبعيد على الأصح، وكرهوه لقاضي الحجة ونحوه كالمجامع، وسنوه للآكل كسن السلام عليه بعد البلع وقبل وضع اللقمة بالفم ويلزمه الرد حينئذ ولمن بالحمام ونحوهما باللفظ.

ورجحوا أنه يسلم على من بمسلخه ولا يمنع كونه مأوى الشياطين فالسوق كذلك والسلام على من فيه مشروع، وإن اشتغل بمساومة ومعاملة ومصل ومؤذن بالإشارة، وإلا فبعد الفراغ إن قرب الفصل، وحرموا الرد على من سلم عليه نحو مرتد وحربي، وندبه بعضهم على القارئ وإن اشتغل بالتدبر، وأوجب الرد عليه، ومحله في متدبر لم يستغرق التدبر قلبه وإلا لم يسن ابتداء، ولا جواب كالداعي المستغرق لأنه الآن بمنزلة غير المميز، بل ينبغي فيمن استغرقه الهم كذلك أن يكون حكمه ذلك، وصرحوا أيضا بعدم السلام على فاسق بل يسن تركه على مجاهر بفسقه، ومرتكب ذنب عظيم لم يتب عنه، ومبتدع إلا لعذر أو خوف مفسدة، وعلى ملب، وساجد وناعس ومتخاصمين بين يدي قاض، وأفتى بعضهم بكراهة حني الظهر، وقال كثيرون: حرام للحديث الحسن أنه صلّى الله عليه وسلّم نهى عنه، وعن التزام الغير، وتقبيله، وأمر بمصافحته ما لم يكن ذميا، وإلا فيكره للمسلم مصافحته بل يكفر إن قصد التبجيل كما يكفر بالسلام عليه كذلك.

وأفتى البعض أيضا بكراهة الانحناء بالرأس وتقبيل نحو الرأس أو يد أو رجل لا سيما لنحو غني

لحديث «من تواضع لغني ذهب ثلثا دينه»

وندب ذلك لنحو صلاح أو علم أو شرف لأن أبا عبيدة قبّل يد عمر رضي الله تعالى

<<  <  ج: ص:  >  >>