قديمة، وإنما قلنا: إن هذا هو الظاهر لما
في خبر ابن عمر أن محلم بن جثامة لما رجع جاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في بردين فجلس بين يديه عليه الصلاة والسلام ليستغفر له فقال: لا غفر الله تعالى لك، فقام وهو يتلقى دموعه ببرديه فما مضت ساعة حتى مات ودفنوه فلفظته الأرض فجاؤوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكروا ذلك له، فقال: إن الأرض تقبل من هو شر من صاحبكم ولكن الله تعالى أراد أن يعظكم، ثم طرحوه بين صدفي جبل وألقوا عليه الحجارة،
فإن الذي يميل القلب إليه اتحاد القصة، واعترض على القول بعدم الوعيد بأن قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. يستفاد منه الوعيد أي أنه سبحانه لم يزل ولا يزال بكل ما تعملونه من الأعمال الظاهرة والخفية وبكيفياتها، ويدخل في ذلك التثبيت وتركه دخولا أوليا مطلع أتم اطلاع فيجازيكم بحسب ذلك إن خيرا فخير وإن شرا فشر، والجملة تعليل بطريق الاستئناف، وقرىء بفتح «أن» على أنه معمول- لتبينوا- أو على حذف لام التعليل.
لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ شروع في الحث على الجهاد ليأنفوا عن تركه وليرغبوا عما يوجب خللا فيه، والمراد بالقاعدين الذين أذن لهم في القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم، وروى البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما- هم القاعدون- عن بدر وهو الظاهر الموافق للتاريخ على ما قيل، وقال أبو حمزة: إنهم المتخلفون عن تبوك، وروي أن الآية نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة ومرارة بن الربيع من بني عمرو بن عوف والربيع وهلال بن أمية من بني واقف، حين تخلفوا عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في تلك الغزوة.
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ حال من القاعدين، وجوز أن يكون من الضمير المستتر فيه، وفائدة ذلك الإيذان من أول الأمر بأن القعود عن الجهاد لا يقعد بهم عن الإيمان، والإشعار بعلة استحقاقهم لما سيأتي من الحسنى أي لا يعتدل المتخلفون عن الجهاد حال كونهم كائنين من المؤمنين غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ بالرفع على أنه صفة- للقاعدون- وهو إن كان معرفة، وغَيْرُ لا تتعرف في مثل هذا الموضع لكنه غير مقصود منه- قاعدون- بعينهم بل الجنس، فأشبه الجنس وصفه بها، وزعم عصام الدين أن غَيْرُ هنا معرفة، وغَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ بمعنى من لا ضرر له، ونقل عن الرضي- وبه ضعف ما تقدم- أن المعرف باللام المبهم وإن كان في حكم النكرة لكنه لا يوصف بما توصف به النكرة، بل يتعين أن تكون صفته جملة فعلية فعلها مضارع كما في قوله:
ولقد أمر على اللئيم يسبني ... فأصد ثم أقول ما يعنيني
واستحسن بعضهم جعله بدلا من الْقاعِدُونَ لأن أل فيه موصولة، والمعروف إرادة الجنس في المعرف بالألف واللام، وبينهما فرق، وجوز الزجاج الرفع على الاستثناء، وتبعه الواحدي فيه، وقرأ نافع وابن عامر والكسائي بالنصب على أنه حال، وهو نكرة لا معرفة، أو على الاستثناء ظهر إعراب ما بعده عليه، وقرىء بالجر على أنه صفة للمؤمنين، أو بدل منه وكون النكرة لا تبدل من المعرفة إلا موصوفة أكثري لا كلي، والضَّرَرِ المرض والعلل التي لا سبيل معها إلى الجهاد، وفي معناها- أو هو داخل فيها- العجز عن الأهبة، وقد نزلت الآية وليس فيها غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ ثم نزل بعد،
فقد روى مالك عن الزهري عن خارجة بن زيد قال: قال زيد بن ثابت: «كنت أكتب بين يدي النبي صلّى الله عليه وسلّم في كثف- لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون- وابن أم مكتوم عند النبي صلّى الله عليه وسلّم فقال: يا رسول الله قد أنزل الله تعالى في فضل الجهاد ما أنزل وأنا رجل ضرير فهل لي من رخصة؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: لا أدري قال زيد:
وقلمي رطب ما جف حتى غشي النبي صلّى الله عليه وسلّم الوحي ووقع فخذه على فخذي حتى كادت تدق من ثقل الوحي، ثم جلي عنه، فقال لي: أكتب يا زيد غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ»
وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ في منهاج دينه بِأَمْوالِهِمْ إنفاقا فيما يوهن كيد الأعداء وَأَنْفُسِهِمْ حملا لها على الكفاح عند اللقاء، وكلا الجارين متعلق-