للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ ما لا يَرْجُونَ تعليل للنهي وتشجيع لهم أي ليس ما ينالكم من الآلام مختصا بكم بل الأمر مشترك بينكم وبينهم ثم إنهم يصبرون على ذلك فما لكم أنتم لا تصبرون مع إنكم أولى بالصبر منهم حيث إنكم ترجون وتطمعون من الله تعالى ما لا يخطر لهم ببال من ظهور دينكم الحق على سائر الأديان الباطلة، ومن الثواب الجزيل والنعيم المقيم في الآخرة.

وجوز أن يحمل الرجاء على الخوف فالمعنى- ان الألم لا ينبغي أن يمنعكم لأن لكم خوفا من الله تعالى ينبغي أن يحترز عنه فوق الاحتراز عن الألم وليس لهم خوف يلجئهم إلى الألم وهم يختارونه لإعلاء دينهم الباطل فما لكم والوهن- ولا يخلو عن بعد، وأبعد منه ما قيل: إن المعنى أن الألم قدر مشترك وأنكم تعبدون الإله العالم القادر السميع البصير الذي يصح أن يرجى منه، وأنهم يعبدون الأصنام التي لا خيرهن يرجى ولا شرهن يخشى.

وقرأ أبو عبد الرحمن الأعرج «أن تكونوا» بفتح الهمزة أن لا تهنوا لأن تكونوا تألمون وقوله تعالى: فَإِنَّهُمْ تعليل للنهي عن الوهن لأجله، وقرىء- تئلمون كما يئلمون- بكسر حرف المضارعة، والآية قيل: نزلت في الذهاب إلى بدر الصغرى لموعد أبي سفيان يوم أحد، وقيل: نزلت يوم أحد في الذهاب خلف أبي سفيان وعسكره إلى حمراء الأسد، وروي ذلك عن عكرمة وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً مبالغا في العلم فيعلم مصالحكم وأعمالكم ما تظهرون منها وما تسرون حَكِيماً فيما يأمر وينهى فجدوا في الامتثال لذلك فإن فيه عواقب حميدة وفوزا بالمطلوب إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِ

أخرج غير واحد عن قتادة بن النعمان رضي الله تعالى عنه أنه قال: كان أهل بيت منا يقال لهم: بنو أبيرق بشر وبشير ومبشر، وكان بشر رجلا منافقا يقول الشعر يهجو به أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثم ينحله بعض العرب، ويقول: قال فلان كذا، وقال فلان كذا فإذا سمع أصحاب النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلك الشعر قالوا: والله ما يقول هذا الشعر إلا هذا الخبيث فقال:

أو كلما قال الرجال قصيدة ... أضموا (١) فقالوا: ابن الأبيرق قالها

وكانوا أهل حاجة وفاقة في الجاهلية والإسلام وكان طعام الناس بالمدينة التمر والشعير وكان الرجل إذا كان له يسار فقدمت ضافطة من الشام من الدرمك (٢) ابتاع منها فخص بها نفسه فقدمت ضافطة فابتاع عمي رفاعة بن زيد حملا من الدرمك فجعله في مشربة له وفي المشربة سلاح له درعان وسيفاهما وما يصلحهما فعدا عدي من تحت الليل فنقب المشربة وأخذ الطعام والسلاح فلما أصبح أتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي تعلم أنه قد عدي علينا في ليلتنا هذه فنقبت مشربتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا فتجسسنا في الدار وسألنا فقيل لنا: قد رأينا بني أبيرق قد استوقدوا في هذه الليلة ولا نرى فيما نرى إلا على بعض طعامكم فقال بنو أبيرق: ونحن نسأل في الدار والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بن سهل رجلا منا له صلاح وإسلام فلما سمع ذلك لبيد اخترط سيفه ثم أتى بني أبيرق، وقال: أنا أسرق فو الله ليخالطنكم هذا السيف أو لتبينن هذه السرقة قالوا: إليك عنا أيها الرجل فو الله ما أنت بصاحبها فسألنا في الدار حتى لم نشك أنهم أصحابها، فقال لي عمي: يا ابن أخي لو أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فذكرت له ذلك فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقلت: يا رسول الله إن أهل بيت منا أهل جفاء عمدوا إلى عمي رفاعة فنقبوا مشربة له وأخذوا سلاحه وطعامه فليردوا علينا سلاحنا وأما الطعام فلا حاجة لنا فيه، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سأنظر في ذلك فلما سمع بنو أبيرق أتو رجلا منهم


(١) أضم. كفرح. غضب اهـ منه. [.....]
(٢) الدرمك. كجعفر. دقيق الحواري اهـ منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>