يقال له أسير بن عروة فكلموه في ذلك واجتمع إليه ناس من أهل الدار فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت قال قتادة:
فأتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فكلمته فقال: عمدت إلى أهل بيت ذكر منهم إسلام وصلاح ترميهم بالسرقة على غير بينة ولا ثبت فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ذلك فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فقال: الله تعالى المستعان فلم نلبث أن نزل القرآن إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ إلخ فلما نزل أتي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بالسلاح فرده إلى رفاعة فلما أتيت عمي بالسلاح وكان شيخا قد عسى في الجاهلية وكنت أرى إسلامه مدخولا قال: يا ابن أخي هو في سبيل الله فعرفت أن إسلامه كان صحيحا ثم لحق بشير بالمشركين فنزل على سلافة بنت سعد فأنزل الله تعالى وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ [النساء: ١١٥] الآية، ثم إن حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه هجا سلافة فقال:
فقد أنزلته بنت سعد وأصبحت ... ينازعها جلد استها وتنازعه
ظننتم بأن يخفى الذي قد صنعتم ... وفينا نبي عنده الوحي واضعه
فلما سمعت ذلك حملت رحله على رأسها فألقته بالأبطح فقالت: أهديت إليّ شعر حسان ما كنت تأتيني بخير، وأخرج ابن جرير عن السدي- واختاره الطبري- أن يهوديا استودع طعمة بن أبيرق درعا فانطلق بها إلى داره فحفر لها اليهودي ودفنها فخالف إليها طعمة فاحتفر عنها فأخذها فلما جاء اليهودي يطلب درعه كافره عنها فانطلق إلى أناس من اليهود من عشيرته فقال: انطلقوا معي فإني أعرف موضع الدرع فلما علم به طعمة أخذ الدرع فألقاها في دار أبي مليك الأنصاري فلما جاءت اليهود تطلب الدرع فلم تقدر عليها وقع به طعمة وأناس من قومه فسبوه، وقال طعمة: أتخونون ي فانطلقوا يطلبونها في داره فأشرفوا على دار أبي مليك فإذا هم بالدرع فقال طعمة: أخذها أبو مليك وجادلت الأنصار دون طعمة، وقال لهم: انطلقوا معي إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقولوا له: ينضح عني ويكذب حجة اليهود، فأتوا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فهمّ أن يفعل فأنزل الله تعالى الآية فلما فضح الله تعالى طعمة بالقرآن هرب حتى أتى مكة فكفر بعد إسلامه ونزل على الحجاج بن علاط السلمي فنقب بيته وأراد أن يسرقه فسمع الحجاج خشخشة في بيته وقعقعة جلود كانت عنده فنظر فإذا هو بطعمة فقال: ضيفي وابن عمي أردت أن تسرقني؟! فأخرجه فمات بحرة بني سليم كافرا وأنزل الله تعالى فيه وَمَنْ يُشاقِقِ إلخ،
وعن عكرمة أن طعمة لما نزل فيه القرآن ولحق بقريش ورجع عن دينه وعدا على مشربة للحجاج سقط عليه حجر فلحج فلما أصبح أخرجوه من مكة فخرج فلقي ركبا من قضاعة فعرض لهم فقالوا: ابن سبيل منقطع به فحملوه حتى إذا جن عليه الليل عدا عليهم فسرقهم ثم انطلق فرجعوا في طلبه فأدركوه فقذفوه بالحجارة حتى مات، وعن ابن زيد أنه بعد أن لحق بمكة نقب بيتا يسرقه فهدمه الله تعالى عليه فقتله، وقيل: إنه أخرج فركب سفينة إلى جدة فسرق فيها كيسا فيه دنانير فأخذ وألقي في البحر.
هذا وفي تأكيد الحكم إيذان بالاعتناء بشأنه كما أن في إسناد الإنزال إلى ضمير العظمة تعظيما لأمر المسند، وتقديم المفعول الغير الصريح للاهتمام والتشويق، وقوله سبحانه: بِالْحَقِّ في موضع الحال أي إنا أنزلنا إليك القرآن متلبسا بالحق لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ برهم وفاجرهم بِما أَراكَ اللَّهُ أي بما عرفك وأوحي به إليك، و «ما» موصولة والعائد محذوف وهو المفعول الأول- لأرى- وهي من رأى بمعنى عرف المتعدية لواحد وقد تعدت لاثنين بالهمزة، وقيل: إنها من الرأي من قولهم: رأي الشافعي كذا وجعلها علمية يقتضي التعدي إلى ثلاثة مفاعيل وحذف اثنين منها أي بما أراكه الله تعالى حقا وهو بعيد، وأما جعلها- من رأى البصرية مجازا- فلا حاجة إليه وَلا تَكُنْ