أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وذلك قوله تعالى: وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ [الأنعام: ٦٨] الآية، وهذا يقتضي الانزجار عن مجالستهم في تلك الحالة القبيحة، فكيف بموالاتهم والاعتزاز بهم؟! وأَنْ هي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير شأن مقدر أي إنه إذا سمعتم، وقدره بعضهم ضمير المخاطبين أي إنكم، وكون المخففة لا تعمل في غير ضمير الشأن إلا لضرورة- كما قال أبو حيان- في حيز المنع، وقد صحح غير واحد جواز ذلك من غير ضرورة، والجملة الشرطية خبر وهي تقع خبرا في كلام العرب، وأَنْ وما بعدها في موضع النصب على أنه مفعول به- لنزل- وهو القائم مقام الفاعل على القراءة الثانية، واحتمال أنه قد يجعل القائم مقامه عليكم، وتكون أَنْ مفسرة لأن التنزيل في معنى القول لا يلتفت إليه، ويُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ في موضع الحال من الآيات جيء بهما لتقييد النهي عن المجالسة، فإن قيد القيد قيد، والمعنى لا تقعدوا معهم وقت كفرهم واستهزائهم بالآيات، وإضافة الآيات إلى الاسم الجليل لتشريفها وإبانة خطرها وتهويل أمر الكفر بها، والضمير في مَعَهُمْ للكفرة المدلول عليهم ب يُكْفَرُ وَيُسْتَهْزَأُ والضمير في غيره راجع إلى تحديثهم بالكفر والاستهزاء، وقيل: الكفر والاستهزاء لأنهما في حكم شيء واحد، وقوله تعالى:
إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ تعليل للنهي غير داخل تحت التنزيل وإِذا ملغاة لأن شرط علمها النصب في الفعل أن تكون في صدر الكلام فلذا لم يجيء بعدها فعل، ومثل- خبر عن ضمير الجمع وصح مع إفراده لأنه في الأصل مصدر، فيستوي فيه الواحد المذكر وغيره، وقيل: لأنه كالمصدر في الوقوع على القليل والكثير أو لأنه مضاف لجمع فيعم، وقد يطابق ما قبله كقوله تعالى: ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [محمد: ٣٨] ، والجمهور على رفعه، وقرىء شاذا بالنصب، فقيل: إنه منصوب على الظرفية لأن معنى قولك: زيد مثل عمرو في أنه حال مثله، وقيل: إنه إذا أضيف إلى مبني اكتسب البناء ولا يختص ذلك بما المصدرية كما توهم بل يكون فيها مثل مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ [الصافات: ٩٢] ، وفي غيرها كقوله:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ... إذ هم قريش وإذ ما مثلهم بشر
وابن مالك يشترط لاكتساب البناء أن لا يقبل المضاف التثنية والجمع- كدون وغير وبين- ولم يصحح ذلك في- مثل- وأعربه حالا من الضمير المستتر في- حق- في قوله تعالى: إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ- ما- أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ، وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً تعليل لكونهم مثلهم في الكفر ببيان ما يستلزمه من شركتهم لهم في العذاب، والمراد من المنافقين إما المخاطبون، وأقيم المظهر مقام المضمر تسجيلا لنفاقهم وتعليلا للحكم بمأخذ الاشتقاق، وإما للجنس وهم داخلون دخولا أوليا وتقديمهم لتشديد الوعيد على المخاطبين وانتصابه على الحال طرز ما مر، واستشكل كون الخطاب للمنافقين بأنهم مثل الكافرين في الكفر من غير سببية القعود معهم فلا وجه لترتب الجزاء على الشرط، والعدول عن كون المماثلة في الكفر إلى المماثلة في المجاهرة به لا يحسن معه كون جملة إِنَّ اللَّهَ إلخ تعليلا لكونهم مثلهم بتلك المماثلة بالطريق الذي ذكر، وأيضا الذين نهوا عن مجالسة الكافرين والمستهزئين بمكة هم المؤمنون المخلصون لا المنافقون لأن نجم النفاق إنما ظهر بالمدينة، فكيف يذكر المنافقون فيها بنهي نزل في مكة قبل أن يكونوا؟.
وأجيب عن هذا بأنه إن سلم أن المنزل على النبي صلّى الله عليه وسلّم وإن خوطب به خاصة منزل على الأمة مخلصهم ومنافقهم إلى قيام الساعة، صح دخول المنافقين وإن لم يكونوا وقت النزول وإن لم يسلم ذلك فإن ادعي الاقتصار على النبي صلّى الله عليه وسلّم لم يدخل المؤمنون المخلصون أيضا، وإن ادّعي دخولهم فقط دون المنافقين الذين هم مؤمنون ظاهرا