منهم الارتداد وازدياد الكفر والإصرار عليه صاروا بحيث قد ضربت قلوبهم بالكفر وتمرنت على الردة وكان الإيمان عندهم أدون شيء وأهونه فلا يكادون يقربون منه قيد شبر ليتأهلوا للمغفرة وهداية سبيل الجنة لا أنهم لو أخلصوا الإيمان لم يقبل منهم ولم يغفر لهم.
وخص بعضهم عدم الاستتابة بالمتلاعب المستخف إذا قامت قرينة على ذلك، وخبر كان في أمثال هذا الموضع محذوف وبه تتعلق اللام كما ذهب إليه البصريون أي ما كان الله تعالى مريدا للغفران لهم، ونفي إرادة الفعل أبلغ من نفيه.
وذهب الكوفيون إلى أن اللام زائدة والخير هو الفعل وضعف بأن ما بعدها قد انتصب فإن كان النصب باللام نفسها فليست بزائدة، وإن كان- بأن- ففاسد لما فيه من الإخبار بالمصدر عن الذات وأجيب باختيار الشق الأول، وأنه لا مانع من العمل مع الزيادة كما في حروف الجر الزائدة، وباختيار الشق الثاني وامتناع الإخبار بالمصدر عن الذات لعدم كونه دالا بصيغته على فاعل وعلى زمان دون زمان، والفعل المصدر- بأن- يدل عليهما فيجوز الإخبار به- وإن لم يجز بالمصدر- ولا يخفى ما فيه، فإن الإخبار على هذا بالفعل لا بالمصدر وإن أول المصدر باسم الفاعل كان الإخبار باسم الفاعل لا به أيضا فافهم واختار قوم في القوم ما ذهب إليه مجاهد. وأيد ذلك بقوله تعالى: بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً ووضع فيه بَشِّرِ موضع أنذر تهكما بهم، ففي الكلام استعارة تهكمية وقيل:
موضع أخبر فهناك مجاز مرسل تهكمي.
الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ في موضع النصب، أو الرفع على الذم على معنى أريد بهم الذين أو هم الذين، ويجوز أن يكون منصوبا على اتباع المنافقين ولا يمنع منه وجود الفاصل فقد جوزه العرب، والمراد بالكافرين قيل: اليهود، وقيل: مشركو العرب، وقيل: ما يعم ذلك والنصارى، وأيد الأول بما روي أنه كان يقول بعضهم لبعض:
إن أمر محمد صلّى الله عليه وسلّم لا يتم فتولوا اليهود.
مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أي متجاوزين ولاية المؤمنين، وهو حال من فاعل يَتَّخِذُونَ أَيَبْتَغُونَ أي المنافقون عِنْدَهُمُ أي الكافرين الْعِزَّةَ أي القوة والمنعة وأصلها الشدة، ومنه قيل: للأرض الصلبة: عزاز، والاستفهام للإنكار، والجملة معترضة مقررة لما قبلها، وقيل: للتهكم، وقيل: للتعجب. فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً أي إنها مختصة به تعالى يعطيها من يشاء وقد كتبها سبحانه لأوليائه فقال عز شأنه: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ والجملة تعليل لما يفيده الاستفهام الإنكاري من بطلان رأيهم وخيبة رجائهم.
وقيل: بيان لوجه التهكم، أو التعجب، وقيل: إنها جواب شرط محذوف أي إن يبتغوا العزة من هؤلاء فَإِنَّ الْعِزَّةَ إلخ، وهي على هذا التقدير قائمة مقام الجواب لا أنها الجواب حقيقة، وجَمِيعاً قيل: حال من الضمير في الجار والمجرور لاعتماده على المبتدأ، وليس في الكلام مضاف أي لأولياء كما زعمه البعض، وقوله سبحانه: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ خطاب للمنافقين بطريق الالتفات مفيد لتشديد التوبيخ الذي يستدعيه تعديد جناياتهم.
وقرأ- ما عدا عاصما- ويعقوب نَزَّلَ بالبناء لما لم يسم فاعله، والجملة حال من ضمير يَتَّخِذُونَ مفيدة أيضا لكمال قباحة حالهم ببيان أنهم فعلوا ما فعلوا من موالاة أعداء الله تعالى مع تحقق ما يمنعهم عن ذلك، وهو ورود النهي عن المجالسة المستلزم للنهي عن الموالاة على آكد وجه وأبلغه إثر بيان انتفاء ما يدعوهم إليه بالجملة المعترضة كأنه قيل: تتخذونهم أولياء والحال أنه تعالى نَزَّلَ عَلَيْكُمْ قبل هذا بمكة فِي الْكِتابِ أي القرآن العظيم الشأن.