للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقط، وزعم الجلال السيوطي أنه لا إشكال في الآية بحسب القراءتين عند المخيرين إلا أنه يمكن أن يدعى لغيرهم أن ذلك كان مشروعا أولا ثم نسخ بتعيين الغسل، وبقيت القراءتان ثابتتين في الرسم كما نسخ التخيير بين الصوم والفدية بتعيين الصوم وبقي رسم ذلك ثابتا، ولا يخفى أنه أوهن من بيت العنكبوت وإنه لأوهن البيوت.

هذا وأما قراءة الرفع فلا تصلح في الاستدلال للفريقين إذ لكل أن يقدر ما شاء، ومن هنا قال الزمخشري فيها:

إنها على معنى وأرجلكم مغسولة أو ممسوحة، لكن ذكر الطيبي أنه لا شك أن تغيير الجملة من الفعلية إلى الاسمية وحذف خبرها يدل على إرادة ثبوتها وظهورها، وأن مضمونها مسلم الحكم ثابت لا يلتبس، وإنما يكون كذلك إذا جعلت القرينة ما علم من منطوق القراءتين ومفهومهما وشوهد وتعورف من فعل الرسول صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي الله تعالى عنهم، وسمع منهم واشتهر فيما بينهم.

وقد قال عطاء: والله ما علمت أن أحدا من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مسح على القدمين، وكل ذلك دافع لتفسيره هذه القراءة بقوله: وَأَرْجُلَكُمْ مغسولة أو ممسوحة على الترديد لا سيما العدول من الإنشائية إلى الإخبارية المشعر بأن القوم كأنهم سارعوا فيه وهو يخبر عنه انتهى، فالأولى أن يقدر ما هو من جنس الغسل على وجه يبقى معه الإنشاء.

وبمجموع ما ذكرنا يعلم ما في كلام الإمام الرازي قدس الله تعالى سره، ونقله مما قدمناه، فاعرف الرجال بالحق لا الحق بالرجال، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

ثم اعلم أنهم اختلفوا في أن الآية هل تقتضي وجوب النية أم لا؟ فقال الحنفية: إن ظاهره لا يقتضي ذلك، والقول بوجوبها يقتضي زيادة في النص، والزيادة فيه تقتضي النسخ، ونسخ القرآن بخبر الواحد غير واقع بل غير جائز عند الأكثرين، وكذا بالقياس على المذهب المنصور للشافعي رضي الله تعالى عنه- كما قاله المروزي- فإذن لا يصح إثبات النية، وقال بعض الشافعية: إن الآية تقتضي الإيجاب لأن معنى قوله تعالى: إِذا قُمْتُمْ إذا أردتم القيام وأنتم محدثون، والغسل وقع جزاء لذلك، والجزاء مسبب عن الشرط فيفيد وجوب الغسل لأجل إرادة الصلاة، وبذلك يثبت المطلوب، وقال آخرون- وعليه المعول عندهم- وجه الاقتضاء أن الوضوء مأمور به فيها وهو ظاهر، وكل مأمور به يجب أن يكون عبادة وإلا لما أمر به، وكل عبادة لا تصح بدون النية لقوله تعالى: وَما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ [البينة: ٥] والإخلاص لا يحصل إلا بالنية، وقد جعل حالا للعابدين، والأحوال شروط فتكون كل عبادة مشروطة بالنية، وقاسوا أيضا الوضوء على التيمم في كونهما طهارتين للصلاة، وقد وجبت النية في المقيس عليه فكذا في المقيس، ولنا القول بموجب العلة يعني سلمنا أن كل عبادة بنية، والوضوء لا يقع عبادة بدون لكن ليس كلامنا في ذلك بل في أنه لم ينو حتى لم يقع عبادة سببا للثواب فهل يقع الشرط المعتبر للصلاة حتى تصح به أو لا؟ ليس في الآية ولا في الحديث المشهور الذي يوردونه في هذا المقام دلالة على نفيه ولا إثباته، فقلنا: نعم لأن الشرط مقصود التحصيل لغيره لا لذاته، فكيف حصل المقصود وصار كستر العورة؟! وباقي شروط الصلاة التي لا يفتقر اعتبارها إلى أن ينوي، ومن ادعى- أن الشرط وضوء هو عبادة- فعليه البيان، والقياس المذكور على التيمم فاسد، فإن من المتفق عليه أن شرط القياس أن لا يكون شرعية حكم الأصل متأخرة عن حكم الفرع، وإلا لثبت حكم الفرع بلا دليل وشرعية التيمم متأخرة عن الوضوء فلا يقاس الوضوء على التيمم في حكمه، نعم إن قصد الاستدلال بآية التيمم بمعنى أنه لما شرع التيمم بشرط النية ظهر وجوبها في الوضوء وكان معنى القياس أنه لا فارق لم يرد ذلك، وذكر بعض المحققين في الفرق بين الوضوء والتيمم وجهين: الأول أن التيمم ينبئ لغة عن القصد فلا يتحقق بدونه

<<  <  ج: ص:  >  >>