للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلاف الوضوء، والثاني أن التراب جعل طهورا في حالة مخصوصة والماء طهور بنفسه كما يستفاد من قوله تعالى:

ماءً طَهُوراً [الفرقان: ٤٨] وقوله سبحانه: لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ [الأنفال: ١١] فحينئذ يكون القياس فاسدا أيضا.

واعترض الوجه الأول بأن النية المعتبرة ليست نية نفس الفعل بل أن ينوي المقصود به الطهارة والصلاة ولو صلاة الجنازة وسجدة التلاوة على ما بين في محله، وإذا كان كذلك فإنما ينبئ عن قصد هو غير المعتبر نية فلا يكون النص بذلك موجبا للنية المعتبرة، ومن هنا يعلم ما في استدلال- بعض الشافعية بآية الوضوء على وجوب النية فيه- السابق آنفا، وذلك لأن المفاد بالتركيب المقدر إنما هو وجوب الغسل لأجل إرادة الصلاة مع الحدث لا إيجاب أن يغسل لأجل الصلاة إذ عقد الجزاء الواقع طلبا بالشرط يفيد طلب مضمون الجزاء إذا تحقق مضمون الشرط، وأن وجوبه اعتبر مسببا عن ذلك، فأين طلبه على وجه مخصوص هو فعله على قصد كونه لمضمون الشرط فتأمل، فقد خفي هذا على بعض الأجلة حتى لم يكافئه بالجواب، والوجه الثاني بأنه إن أريد بالحالة المخصوصة حالة الصلاة فهو مبني على أن الإرادة مرادة في الجملة المعطوفة عليها جملة التيمم.

وأنت قد علمت الآن أن لا دلالة فيها على اشتراط النية، وإن أريد حالة عدم القدرة على استعمال الماء فظاهر أن ذلك لا يقتضي إيجاب النية ولا نفيها، واستفاد كون الماء طهورا بنفسه مما ذكر بأن كون المقصود من إنزاله التطهير به، وتسميته طهورا لا يفيد اعتباره مطهرا بنفسه أي رافعا للأمر الشرعي بلا نية، وهو المطلوب بخلاف إزالته الخبث لأن ذلك محسوس أنه مقتضى طبعه ولا تلازم بين إزالته حسا صفة محسوسة وبين كونه يرتفع عند استعماله اعتبار شرعي، والمفاد من لِيُطَهِّرَكُمْ كون المقصود من إنزاله التطهير به، وهذا يصدق مع اشتراط النية- كما قال الشافعي رضي الله تعالى عنه- وعدمه كما قلنا ولا دلالة للأعم على أخص بخصوصه كما هو المقرر فتدبر.

واختلفوا أيضا في أنها هل تقتضي وجوب الترتيب أم لا؟ فذهب الحنفية إلى الثاني لأن المذكور فيها الواو وهي لمطلق الجمع على الصحيح المعول عليه عندهم، والشافعية إلى الأول لأن الفاء في- اغسلوا- للتعقيب فتفيد تعقيب القيام إلى الصلاة بغسل الوجه، فيلزم الترتيب بين الوجه وغيره، فيلزم في الكل لعدم القائل بالفصل.

وأجيب بأنا لا نسلم إفادتها تعقيب القيام به بل جملة الأعضاء وتحقيقه أن المعقب طلب الغسل وله متعلقات وصل إلى أولها ذكرا بنفسه وإلى الباقي بواسطة الحرف المشترك فاشتركت كلها فيه من غير إفادة طلب تقديم تعليقه ببعضها على بعض في الوجود فصار مؤدى التركيب طلب إعقاب غسل جملة الأعضاء، وهذا نظير قولك: ادخل السوق فاشتر لنا خبزا ولحما حيث كان المفاد إعقاب الدخول بشراء ما ذكر كيفما وقع.

وزعم بعضهم أن إفادة النظم للترتيب لأنه لو لم يرد ذلك لأوجب تقديم الممسوح أو تأخيره عن المغسول، ولأنهم يقدمون الأهم فالأهم، وفيه نظر لأن قصارى ما يدل عليه النظم أولوية الترتيب ونحن لا ننكر ذلك، وقال آخرون: الدليل على الترتيب فعله صلّى الله عليه وسلّم

فقد توضأ عليه الصلاة والسلام مرتبا، ثم قال: «هذا وضوء لا يقبل الله تعالى الصلاة إلا به»

وفيه أن الإشارة كانت لوضوء مرتب موالى فيه فلو دل على فرضية الترتيب لدل على فرضية الموالاة ولا قائل بها عند الفريقين، نعم أقوى دليل لهم

قوله صلّى الله عليه وسلّم في حجة الوداع: «ابدؤوا بما بدأ الله تعالى به»

بناء على أن الأمر للوجوب، والعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وأجيب عن ذلك بما أجيب إلا أن الاحتياط لا يخفى، وهذا المقدار يكفي في الكلام على هذه الآية، والزيادة- على ذلك ببيان سنن الوضوء ونواقضه وما يتعلق به- مما لا تفهمه الآية كما فعل بعض المفسرين- فضول لا فضل، وإظهار علم يلوح من خلاله الجهل وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً أي عند القيام إلى الصلاة فَاطَّهَّرُوا أي فاغتسلوا على أتم وجه، وقرى «فأطهروا» أي فطهروا أبدانكم، والمضمضة

<<  <  ج: ص:  >  >>