للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن يفعل فقال: إنما تريد أن تقول: أريد لهذا كما قال تعالى: وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ [الزمر: ١٢] انتهى، واختلف فيه النحاة فقال السيرافي: فيه وجهان: أحدهما- ما اختاره البصريون- أن مفعوله مقدر أي أريد ما أريد لأن تفعل، فاللام تعليلية غير زائدة، الثاني أنها زائدة لتأكيد المفعول، وقال أبو علي في التعليق عن المبرد: إن الفعل دال على المصدر فهو مقدر أي أردت وإرادتي لكذا فحذف إرادتي واللام زائدة وهو تكلف بعيد، والمذاهب ثلاثة:

أقربها الأول، وأسهلها الثاني- وهو من بليغ الكلام القديم- كقوله:

أريد لأنسى ذكرها فكأنما ... تمثل لي ليلى بكل سبيل

البلاغة فيه مما يعرفه الذوق السليم قاله الشهاب وَلِيُتِمَّ بشرعه ما هو مطهرة لأبدانكم نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ في الدين، أو ليتم برخصة إنعامه عليكم بالعزائم لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ نعمته بطاعتكم إياه فيما أمركم به ونهاكم عنه، ومن لطائف الآية الكريمة- كما قال بعض المحققين- إنها مشتملة على سبعة أمور كلها مثنى: طهارتان أصل وبدل، والأصل اثنان: مستوعب وغير مستوعب، وغير المستوعب- باعتبار الفعل- غسل ومسح، وباعتبار المحل محدود وغير محدود، وأن آلتهما مائع وجامد، وموجبهما حدث أصغر وأكبر، وأن المبيح للعدول إلى البدل مرض أو سفر، وأن الموعود عليهما التطهير وإتمام النعمة، وزاد البعض مثنيات أخر، فإن غير المحدود وجه ورأس، والمحدود يد ورجل، والنهاية كعب ومرفق، والشكر قولي وفعلي.

وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وهي نعمة الإسلام، أو الأعم على إرادة الجنس، وأمروا بذلك ليذكرهم المنعم ويرغبهم في شكره وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ أي عهده الذي أخذه عليكم وقوله تعالى:

إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا ظرف- لواثقكم به- أو لمحذوف وقع حالا من الضمير المجرور في بِهِ أو من ميثاقه أي كائنا وقت قولكم: سَمِعْنا وَأَطَعْنا وفائدة التقييد به تأكيد وجوب مراعاته بتذكير قولهم، والتزامهم بالمحافظة عليه، والمراد به الميثاق الذي أخذه على المسلمين حين بايعهم النبي صلّى الله عليه وسلّم في العقبة الثانية سنة ثلاث عشرة من النبوة على السمع والطاعة في حال اليسر والعسر والمنشط والمكره كما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبادة بن الصامت، وقيل: هو الميثاق الواقع في العقبة الأولى سنة إحدى عشرة، أو بيعة الرضوان بالحديبية، فإضافة الميثاق إليه تعالى مع صدوره عنه صلّى الله عليه وسلّم لكون المرجع إليه سبحانه كما نطق في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللَّهَ [الفتح: ١٠] .

وأخرج ابن جرير وابن حميد عن مجاهد قال: هو الميثاق الذي واثق بني آدم حين أخرجهم من صلب أبيهم عليه السلام وفيه بعد وَاتَّقُوا اللَّهَ في نسيان نعمته ونقض ميثاقه، أو في كل ما تأتون وتذرون فيدخل فيه ما ذكر دخولا أوليا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ أي مخفياتها الملابسة لها ملابسة تامة مصححة لإطلاق الصاحب عليه فيجازيكم عليها، فما ظنكم بجليات الأعمال؟؟ والجملة اعتراض وتعليل للأمر وإظهار الاسم الجليل لما مر غير مرة يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شروع في بيان الشرائع المتعلقة لما يجري بينهم وبين غيرهم إثر ما يتعلق بأنفسهم كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ أي كثيري القيام له بحقوقه اللازمة، وقيل: أي ليكن من عادتكم القيام بالحق في أنفسكم بالعمل الصالح، وفي غيركم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ابتغاء مرضاة الله تعالى شُهَداءَ بِالْقِسْطِ أي بالعدل، وقيل: دعاة لله تعالى مبينين عن دينه بالحجج الحقة وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ أي لا يحملنكم شَنَآنُ قَوْمٍ أي شدة بغضكم لهم عَلى أَلَّا تَعْدِلُوا فلا تشهدوا في حقوقهم بالعدل، أو فتعدوا عليهم بارتكاب ما لا يحل اعْدِلُوا أيها المؤمنون في أوليائكم وأعدائكم، واقتصر بعضهم على الأعداء بناء على ما روي أنه لما فتحت مكة كلف الله

<<  <  ج: ص:  >  >>