وفي كتاب نزهة القلوب- نقلا عن الحكيم أبي نصر- أن غاية ارتفاعها اثني عشر فرسخا وستمائة ذراع، وعن المتقدمين أنها ثمانية عشر فرسخا، والفرسخ ثلاثة أميال، والميل ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع انتهى.
واختلفوا أيضا في غاية انحطاطها، ولم يذكر أحد منهم أنها تنحط إلى ما يتصور معه احتجاز الرجل الذي ذكروا من طوله ما ذكروا بالسحاب. اللهم إلا أن يراد به سحاب لم يبلغ هذا الارتفاع ومع هذا كله قد أخطؤوا في قولهم: ابن عنق، وإنما هو ابن عوق- كنوح- كما نص على ذلك في القاموس، وهو أيضا اسم والده لا والدته كما ذكر هناك أيضا فليحفظ.
وأخرج ابن حميد وابن جرير عن أبي العالية أنه قال في الآية: أخذ الله تعالى ميثاق بني إسرائيل أن يخلصوا له ولا يعبدوا غيره وبعث منهم اثني عشر كفيلا كفلوا عليهم بالوفاء لله تعالى بما واثقوه عليه من العهود فيما أمرهم به ونهاهم عنه، واختاره الجبائي،- والنقباء- حينئذ يجوز أن يكونوا رسلا، وأن يكونوا قادة- كما قال البلخي- واختار أبو مسلم أنهم بعثوا أنبياء ليقيموا الدين ويعلموا الأسباط التوراة ويأمروهم بما فرضه الله تعالى عليهم، وأخرج الطيبي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا وزراء وصاروا أنبياء بعد ذلك وَقالَ اللَّهُ أي- للنقباء- عند الربيع، ورجحه السمين للقرب، وعند أكثر المفسرين- لبني إسرائيل- ورجحه أبو حيان إذ هم المحتاجون إلى ما ذكر من الترغيب والترهيب كما ينبئ عنه الالتفاف مع ما فيه من تربية المهابة وتأكيد ما يتضمنه الكلام من الوعد إِنِّي مَعَكُمْ أسمع كلامكم وأرى أعمالكم وأعلم ضمائركم فأجازيكم بذلك، وقيل: مَعَكُمْ بالنصرة، وقيل: بالعلم، والتعميم أولى.
لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي أي بجميعهم، واللام موطئة للقسم المحذوف، وتأخير الإيمان عن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مع كونهما من الفروع المترتبة عليه لما أنهم- كما قال غير واحد- كانوا معترفين بوجوبهما حسبما يراد منهم مع ارتكابهم تكذيب بعض الرسل عليهم الصلاة والسلام، ولمراعاة المقارنة بينه وبين قوله تعالى: وَعَزَّرْتُمُوهُمْ، وقال بعضهم: إن جملة وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي إلى آخره كناية إيمائية عن المجاهدة، ونصرة دين الله تعالى ورسله عليهم الصلاة والسلام والإنفاق في سبيله كأنه قيل: لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وجاهدتم في سبيل الله يدل عليه قوله تعالى: وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ [المائدة: ٢١] فإن المعنى لا ترتدوا على أدباركم في دينكم لمخالفتكم أمر ربكم وعصيانكم نبيكم عليه الصلاة والسلام، وإنما وقع الاهتمام بشأن هذه القرينة دون الأولين، وأبرزت في معرض الكناية لأن القوم كانوا يتقاعدون عن القتال ويقولون لموسى عليه السلام فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ [المائدة: ٢٤] انتهى، ولا يخلو عن نظر.
وقيل: إنما قدم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة لأنها الظاهر من أحوالهم الدالة على إيمانهم، والتعزير- أصل معناه المنع والذب، وقيل: التقوية من العزر، وهو والأزر من واد واحد، ولا يخفى أن في التقوية منعا لمن قويته عن غيره فهما متقاربان، ثم تجوز فيه عن النصرة لما فيها من ذلك، وعن التأديب وهو في الشرع ما كان دون الحدّ لأنه رادع ومانع عن ارتكاب القبيح، ولذا سمي في الحديث نصرة،
فقد صح عنه صلّى الله عليه وسلّم:«انصر أخاك ظالما أو مظلوما، فقال رجل: يا رسول الله انصره إذا كان مظلوما أفرأيت إن كان ظالما كيف أنصره؟! فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: تحجزه- أو تمنعه- عن الظلم فإن ذلك نصره» ،
وقال الراغب: التعزير النصرة مع التعظيم، وبالنصرة فقط- فسره الحسن ومجاهد، وبالتعظيم فقط فسره ابن زيد وأبو عبيدة، وقرىء- عزرتموهم- بالتخفيف وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ أي بالإنفاق في سبيل الخير، وقيل: بالصدق بالصدقات وأيّا ما كان فهو استعارة لأنه سبحانه لما وعد بجزائه والثواب عليه شبه بالقرض الذي