يقضي بمثله، وفي كلام العرب قديما الصالحات قروض قَرْضاً حَسَناً وهو ما كان عن طيب نفس على ما قال الأخفش، وقيل: ما لا يتبعه منّ ولا أذى، وقيل: ما كان من حلال.
وذكر غير واحد أن قرضا يحتمل المصدر والمفعول به لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ دال على جواب الشرط المحذوف وسادّ مسدّه معنى، وليس هو الجواب له خلافا لأبي البقاء بل هو جواب للقسم، فقد تقرر أنه إذا اجتمع شرط وقسم أجيب السابق منهما إلا أن يتقدمه ذو خبر، وجوز أن يكون هذا جوابا لما تضمنه قوله تعالى: ولَقَدْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ [البقرة: ٨٣، المائدة: ٧٠] من القسم، وقيل: إن جوابه لَئِنْ أَقَمْتُمُ فلا تكون اللام موطئة، أو تكون ذات وجهين- وهو غريب- وجملة القسم المشروط وجوابه مفسرة لذلك الميثاق المتقدم.
وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ عطف على ما قبله داخل معه في حكمه متأخر عنه في الحصول ضرورة تقدم التخلية على التحلية فَمَنْ كَفَرَ أي برسلي أو بشيء مما عدد في حيز الشرط، والفاء لترتيب بيان حكم من كفر على بيان حكم من آمن تقوية للترغيب بالترهيب بَعْدَ ذلِكَ الشرط المؤكد المعلق به الوعد العظيم أعني لَأُكَفِّرَنَّ، وقيل: بعد الشرط المؤكد المعلق بالوعد العظيم أعني أني معكم بناء على حمل المعية على المعية بالنصرة والإعانة، أو التوفيق للخير فإن الشرط معلق به من حيث المعنى نحو أنا معتن بشأنك إن خدمتني رفعت محلك، وقيل: المراد بعد ما شرطت هذا الشرط ووعدت هذا الوعد وأنعمت هذا الإنعام، وقوله تعالى:
مِنْكُمْ متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل كَفَرَ، ولعل تغيير السبك حيث لم يقل وإن كفرتم عطفا على الشرطية السابقة- كما قال شيخ الإسلام- لإخراج كفر الكل عن حيز الاحتمال وإسقاط من كفر عن رتبة الخطاب، ثم ليس المراد بالكفر إحداثه بعد الإيمان، بل ما يعم الاستمرار عليه أيضا كأنه قيل: فمن اتصف بالكفر بعد ذلك إلا أنه قصد بإيراد ما يدل على الحدوث بيان ترقيهم في مراتب الكفر فإن الاتصاف بشيء بعد ورود ما يوجب الإقلاع عنه، وإن كان استمرارا عليه لكن بحسب العنوان فعل جديد وصنع حادث فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ أي وسط الطريق وحاقه ضلالا لا شبهة فيه ولا عذر معه بخلاف من كفر قبل ذلك إذ ربما يمكن أن يكون له شبهة ويتوهم عذر.
فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ أي بسبب نقضهم ميثاقهم المؤكد لا بشيء آخر استقلالا وانضماما، فالباء سببية، وما مزيدة لتوكيد الكلام وتمكينه في النفس، أو بمعنى شيء كما قال أبو البقاء، والجار متعلق بقوله تعالى:
لَعَنَّاهُمْ أي طردناهم وأبعدناهم من رحمتنا عقوبة لهم- قاله عطاء وجماعة- وعن الحسن ومقاتل أن المعنى مسخناهم قردة وخنازير، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عذبناهم بضرب الجزية عليهم، ولا يخفى أن ما قاله عطاء أقرب إلى المعنى الحقيقي لأنه حقيقة اللعن في اللغة الطرد والإبعاد فاستعماله في المعنيين الأخيرين مجاز باستعماله في لازم معناه، وهو الحقارة بما ذكر لكنه لا قرينة في الكلام عليه، وتخصيص البيان بما ذكر مع أن حقه أن يبين بعد بيان تحقق اللعن والنقض بأن يقال مثلا: فنقضوا ميثاقهم فلعناهم ضرورة تقدم هلية الشيء البسيطة على هليته المركبة- كما قال شيخ الإسلام- للإيذان بأن تحققهما أمر جلي غني عن البيان، وإنما المحتاج إلى ذلك ما بينهما من السببية والمسببية وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يابسة غليظة تنبو عن قبول الحق ولا تلين- قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما..
وقيل: المراد سلبناهم التوفيق واللطف الذي تنشرح به صدورهم حتى- ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون- وهذا كما تقول لغيرك: أفسدت سيفك إذا ترك تعاهده حتى صدىء، وجعلت أظافيرك سلاحك إذا لم يقصها، وقال