للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما أنا إلا من غزية إن غوت ... غويت وإن ترشد غزية أرشد

وقال الله تعالى: إِنِّي مَعَكُمْ بالتوفيق والإعانة لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وتحليتم بالعبادات البدنية وَآتَيْتُمُ الزَّكاةَ وتخليتم عن الصفات الذميمة من البخل والشح فزهدتم وآثرتم وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي جميعهم من العقل والإلهامات والأفكار الصائبة والخواطر الصادقة من الروح والقلب وإمداد الملكوت وَعَزَّرْتُمُوهُمْ أي وعظتموهم بأن سلطتموهم على شياطين الوهم وقويتموهم ومنعتموهم من الوساوس وإلقاء الوهميات والخيالات والخواطر النفسانية وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً بأن تبرأتم من الحول والقوة والعلم والقدرة، وأسندتم كل ذلك إليه عز شأنه، بل ومن الأفعال والصفات جميعها، بل ومن الذات بالمحو والفناء وإسلامها إلى باريها جل وعلا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ التي هي الحجب والموانع لكم وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ مما عندي تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وهي أنهار علوم التوكل والرضاء والتسليم والتوحيد، وتجليات الأفعال والصفات والذات فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ العهد وبعث النقباء منكم فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ وهلك مع الهالكين فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ الذي وثقوه لَعَنَّاهُمْ وطردناهم عن الحضرة وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً باستيلاء صفات النفس عليها وميلها إلى الأمور الأرضية يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ حيث حجبوا عن أنوار الملكوت والجبروت التي هي كلمات الله تعالى واستبدلوا قوى أنفسهم بها واستعملوا وهمياتهم وخيالاتهم بدل حقائقها وَنَسُوا حَظًّا نصيبا وافرا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ في العهد اللاحق وهو ما أوتوه في العهد السابق من الكمالات الكامنة في استعداداتهم الموجودة فيها بالقوة وَلا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ من نقض عهد ومنع أمانة لاستيلاء شيطان النفس عليهم وقساوة قلوبهم إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وهو من جره استعداده إلى ما فيه صلاحه فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ إلى عباده باللطف والمعاملة الحسنة جعلنا الله تعالى وإياكم من المحسنين.

وَمِنَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ شروع في بيان قبائح النصارى وجناياتهم إثر بيان قبائح وجنايات إخوانهم اليهود، وَمِنَ متعلقة- بأخذنا- وتقديم الجار للاهتمام، ولأن ذكر إحدى الطائفتين مما يوقع في ذهن السامع أن حال الأخرى ماذا؟ كأنه قيل: ومن الطائفة الأخرى أيضا أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ والضمير المجرور راجع إلى الموصول، أو عائد على بني إسرائيل الذين عادت إليهم الضمائر السابقة، وهو نظير قولك: أخذت من زيد ميثاق عمرو أي مثل ميثاقه.

وجوز أن يكون الجار متعلقا بمحذوف وقع خبرا لمبتدأ محذوف أيضا، وجملة أَخَذْنا صفة أي- ومن الذين قالوا إنا نصارى قوم أخذنا منهم ميثاقهم- وقيل: المبتدأ المحذوف مِنَ الموصولة، أو الموصوفة، ولا يخفى أن جواز حذف الموصول وإبقاء صلته لم يذهب إليه سوى الكوفيين، وإنما قال سبحانه: قالُوا إِنَّا نَصارى ولم يقل جل وعلا- ومن النصارى- كما هو الظاهر بدون إطناب للإيماء كما قال بعضهم: إلى أنهم على دين النصرانية بزعمهم وليسوا عليها في الحقيقة لعدم عملهم بموجبها ومخالفتهم لما في الإنجيل من التبشير بنبينا صلّى الله عليه وسلّم، وقيل:

للإشارة إلى أنهم لقبوا بذلك أنفسهم على معنى أنهم أنصار الله تعالى، وأفعالهم تقتضي نصرة الشيطان، فيكون العدول عن الظاهر ليتصور تلك الحال في ذهن السامع ويتقرر أنهم ادعوا نصرة الله تعالى وهم منها بمعزل، ونكتة تخصيص هذا الموضع بإسناد النصرانية إلى دعواهم أنه لما كان المقصود في هذه الآية ذمهم بنقض الميثاق المأخوذ عليهم في نصرة الله تعالى ناسب ذلك أن يصدر الكلام بما يدل على أنهم لم ينصروا الله تعالى ولم يفوا بما واثقوا عليه من النصرة وما كان حاصل أمرهم إلا التفوه بالدعوى وقولها دون فعلها، ولا يخفى أن هذا مبني على أن وجه تسميتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>