والمراد يخافون العدو، ومعنى كون الرجلين منهم أنهما منهم في النسب لا في الخوف، وقيل: في الخوف أيضا، والمراد أنهما لم يمنعهما الخوف عن قول الحق، وأخرج ابن المنذر عن ابن جبير أن الرجلين كانا من الجبابرة أسلما وصارا إلى موسى عليه السلام، فعلى هذا يكون الَّذِينَ عبارة عن الجبابرة، والواو ضمير بني إسرائيل، وعائد الموصول محذوف أي يخافونهم، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير «يخافون» بضم الياء، وجعلها الزمخشري شاهدة على أن الرجلين من الجبارين كأنه قيل: من المخوّفين أي يخافهم بنو إسرائيل، وفيها احتمالان آخران: الأول أن يكون من الإخافة، ومعناه من الذين يخوّفون من الله تعالى بالتذكير والموعظة أو يخوّفهم وعيد الله تعالى بالعقاب، والثاني أن معنى يَخافُونَ يهابون ويوقرون، ويرجع إليهم لفضلهم وخيرهم: ومع هذين الاحتمالين لا ترجيح في هذه القراءة لكونهما من الجبارين، وترجيح ذلك بقوله تعالى: أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا بالإيمان والتثبيت غير ظاهر أيضا لأنه صفة مشتركة بين يوشع وكالب وغيرهما، وكونه إنما يليق أن يقال لمن أسلم من الكفار لا لمن هو مؤمن في حيز المنع، والجملة صفة ثانية- لرجلين- أو اعتراض، وقيل: حال بتقدير قد من ضمير يَخافُونَ أو من رَجُلانِ لتخصيصه بالصفة، أو من الضمير المستتر في الجار والمجرور أي قالا مخاطبين لهم ومشجعين ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ أي باب مدينتهم وتقديم عَلَيْهِمُ عليه للاهتمام به لأن المقصود إنما هو دخول الباب وهم في بلدهم أي فاجئوهم وضاغطوهم في المضيق ولا تمهلوهم ليحصروا ويجدوا للحرب مجالا فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ عليهم الباب فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ من غير حاجة القتال فإنا قد رأيناهم وشاهدناهم أن قلوبهم ضعيفة وإن كانت أجسامهم عظيمة فلا تخشوهم واهجموا عليهم في المضائق فإنهم لا يقدرون على الكر والفر، وقيل: إنما حكما بالغلبة لما علماها من جهة موسى عليه السلام، وقوله: الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ، وقيل: من جهة غلبة الظن، وما تبينا من عادة الله تعالى في نصرة رسله، وما عهدا من صنع الله تعالى لموسى عليه السلام في قهر أعدائه، قيل: والأول أنسب بتعليق الغلبة بالدخول وَعَلَى اللَّهِ تعالى خاصة فَتَوَكَّلُوا بعد ترتيب الأسباب ولا تعتمدوا عليها فإنها لا تؤثر من دون إذنه إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ بالله تعالى، والمراد بهذا الإلهاب والتهييج وإلا فإيمانهم محقق، وقد يراد بالإيمان التصديق بالله تعالى وما يتبعه من التصديق بما وعده أي إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ به تعالى مصدقين لوعده فإن ذلك مما يوجب التوكل عليه حتما قالُوا غير مبالين بهما وبمقالتهما مخاطبين لموسى عليه السلام إظهارا لإصرارهم على القول الأول وتصريحا بمخالفتهم له عليه السلام يا مُوسى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها أي أرض الجبابرة فضلا عن الدخول عليهم وهم في بلدهم أَبَداً أي دهرا طويلا، أو فيما يستقبل من الزمان كله ما دامُوا فِيها أي في تلك الأرض، وهو بدل من أَبَداً بدل البعض وقيل: بدل الكل من الكل، أو عطف بيان لوقوعه بين النكرتين ومثله في الإبدال قوله:
وأكرم أخاك الدهر ما دمتما معا ... كفى بالممات فرقة وتنائيا
فإن قوله:«ما دمتما» بدل من الدهر فَاذْهَبْ أي إذا كان الأمر كذلك فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا أي فقاتلاهم وأخرجاهم حتى ندخل الأرض وقالوا ذلك استهانة واستهزاء به سبحانه وبرسوله عليه الصلاة والسلام وعدم مبالاة، وقصدوا ذهابهما حقيقة كما ينبئ عنه غاية جهلهم وقسوة قلوبهم، والمقابلة بقوله تعالى إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ، وقيل: أرادوا إرادتهما وقصدهما كما تقول: كلمته فذهب يجيبني كأنهم قالوا: فأريدا قتالهم واقصداهم، وقال البلخي: المراد فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ يعينك، فالواو للحال، وأَنْتَ مبتدأ حذف خبره وهو خلاف الظاهر، ولا يساعده فَقاتِلا ولم يذكروا أخاه هارون عليهما السلام ولا الرجلين اللذين قالا كأنهم لم يجزموا بذهابهم أولم يعبؤوا بقتالهم، وأرادوا بالقعود عدم التقدم لا عدم التأخر أيضا قالَ موسى عليه السلام لما رأى منهم ما رأى من