للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى بعض آخر منها، كإظهار موالاة المشركين وإبراز آثار الكيد للإسلام ونحو ذلك.

والتعبير عنهم بالموصول للإشارة بما في حيز صلته إلى مدار الحزن، وهذا وإن كان بحسب الظاهر نهيا للكفرة عن أن يحزنوه صلّى الله عليه وسلّم بمسارعتهم في الكفر- لكنه في الحقيقة نهي له عليه الصلاة والسلام عن التأثر من ذلك والمبالاة، والغرض منه مجرد التسلية على أبلغ وجه وآكده، فإن النهي عن أسباب الشيء ومبادئه المؤدية إليه نهي عنه بالطريق البرهاني وقطع له من أصله.

وقرىء «يحزنك» بضم الياء وكسر الزاي من أحزن وهي لغة، وقرىء «يسرعون» يقال أسرع فيه الشيب أي وقع فيه سريعا أي لا تحزن ولا تبال بتهافتهم في الكفر بسرعة حذرا- كما قيل- من شرهم وموالاتهم للمشركين فإن الله تعالى ناصرك عليهم، أو شفقة عليهم حيث لم يوفقوا للهداية فإن الله تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ بيان للمسارعين في الكفر، وقال أبو البقاء: إنه متعلق بمحذوف وقع حالا من فاعل يُسارِعُونَ أو من الموصول أي كائنين مِنَ الَّذِينَ إلخ، والباء متعلقة- بقالوا- لا- بآمنا- لظهور فساده وتعلقها به على معنى- بذي أفواههم- أي يؤمنون بما يتفوهون به من غير أن تلتف به قلوبهم مما لا ينبغي أن يلتفت إليه من له أدنى تمييز وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ جملة حالية من ضمير قالُوا، وقيل: عطف على قالُوا وقوله سبحانه وتعالى:

وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا عطف على مِنَ الَّذِينَ قالُوا وبه تم تقسيم المسارعين إلى قسمين: منافقين ويهود، فقوله سبحانه وتعالى: سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ خبر مبتدأ محذوف أي هم سَمَّاعُونَ، والضمير للفريقين أو للذين يسارعون، وجوز أن يكون- للذين هادوا- واعترض بأنه مخل بعموم الوعيد الآتي ومباديه للكل- كما ستقف عليه إن شاء الله تعالى- وكذا جعل غير واحد وَمِنَ الَّذِينَ إلخ خبرا على أن سَمَّاعُونَ صفة لمبتدأ محذوف، أي ومنهم قوم سماعون لأدائه إلى اختصاص ما عدد من القبائح وما يترتب عليها من الغوائل الدنيوية والأخروية بهم، على أنه قد قرىء- سماعين- بالنصب على الذم وهو ظاهر في أرجحية العطف، فالوجه ذلك، واللام للتقوية كما في قوله تعالى: فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ [هود: ١٠٧، البروج: ١٦] وقيل: لتضمين السماع معنى القبول أي قابلون لما يفتريه الأحبار من الكذب على الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام وتحريف كتابه، واعترضه الشهاب بأن هذا يقتضي أنه إنما فسر بالقبول ليعديه اللام.

وقد قال الزجاج: يقال: لا تسمع من فلان أي لا تقبل، ومنه سمع الله لمن حمده أي تقبل منه حمده، وكلام الجوهري يخالفه أيضا، ويقتضي أنه ليس مبنيا على التضمين، وقال عصام الملة: إن القبول أيضا متعد بنفسه ففي القاموس: قبله- كعمله- وتقبله بمعنى أخذه، نعم يتعدى السماع بمعنى القبول باللام بمعنى من، كما في- سمع الله لمن حمده- أي قبل الله تعالى ممن حمده، لكن هذه اللام تدخل على المسموع منه لا المسموع.

وجوز أن تكون اللام للعلة، والمفعول محذوف أي سماعون كلامك ليكذبوا عليك فيه بأن يمسخوه بالزيادة والنقصان والتبديل والتغيير، أو كلام الناس الدائر فيما بينهم ليكذبوا بأن يرجفوا بقتل المؤمنين وانكسار سراياهم، أو نحو ذلك مما فيه ضرر بهم، وأيا ما كان فالجملة مستأنفة جارية- على ما قيل- مجرى التعليل للنهي، أو مسوقة لمجرد الذم كما يقتضيه قراءة النصب، وقوله تعالى شأنه: سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ خبر ثان للمبتدأ المقدر للأول، ومبين لما هو المراد بالكذب على تقدير التقوية والتضمين، واللام هنا مثلها في- سمع الله لمن حمده- والمعنى مبالغون في قبول كلام قوم آخرين، واختاره شيخ الإسلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>