للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شيئا مِنْ كِتابِ اللَّهِ وهو مما لا ينبغي أن يخرج عليه كتاب الله تعالى، وقيل: الأولى أن تجعل ما مصدرية ليستغني عن تقدير العائد، وحينئذ لا يتأتى القول بأن مِنْ بيان لها، ومن الناس من جوز كون بِمَا بدلا من بها، وأعيد الجار لطول الفصل وهو جائز أيضا وإن لم يطل، ومنهم من أرجع الضمير المرفوع للنبيين ومن عطف عليهم، فالمستحفظ حينئذ هو الله تعالى، وحديث الأنباء لا يتأتى إذ ذاك، وقيل: إن الرَّبَّانِيُّونَ فاعل بفعل محذوف، والباء صلة له، والجملة معطوفة على ما قبلها، أي ويحكم الربانيون والأحبار بحكم كتاب الله تعالى الذي سألهم أنبياؤهم أن يحفظوه من التغيير وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ عطف على اسْتُحْفِظُوا ومعنى شُهَداءَ رقباء يحمونه من أن يحوم حول حماه التغيير والتبديل بوجه من الوجوه، أو شُهَداءَ عليه أنه حق.

ورجح على الأول بأنه يلزم عليه أن يكون الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ رقباء على أنفسهم لا يتركونها أن تغير وتحرف التوراة لأن المحرف لا يكون إلا منهم لا من العامة، وهو كما ترى ليس فيه مزيد معنى، وإرجاع ضمير كانُوا للنبيين مما لا يكاد يجوز، وقيل: عطف على يَحْكُمُ المحذوف المراد منه حكاية الحال الماضية أي حكم الربانيون والأحبار بكتاب الله تعالى.

وكانوا شهداء عليه، ويجوز على هذا- بلا خفاء- أن تكون الشهادة مستعارة للبيان أي مبينين ما يخفى منه، وأمر التعدي بعلى سهل، ولعل المراد به شيء وراء الحكم، وقيل: الضمير المرفوع هنا كسابقه عائد على النبيين وما عطف عليه، والعطف إما على اسْتُحْفِظُوا أو على يَحْكُمُ وتوهم عبارة البعض- حيث قال وبسبب كونهم شهداء- أن العطف على- ما- الموصولة فيؤوّل كانُوا بالمصدر، وكأن المقصود منه تلخيص المعنى لكون ما ذكر ضعيفا فيما لا يكون المعطوف عليه حدثا، وأما العطف على كتاب الله بتقدير حرف مصدري ليكون المعطوف داخلا تحت الطلب فكما ترى، وإرجاع ضمير عَلَيْهِ إلى حكم النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرجم كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه مما تأباه العربية في بعض الاحتمالات، وهو وإن جاز عربية في البعض الآخر لكنه خلاف الظاهر ولا قرينة عليه، ولعل مراد الحبر بيان بعض ما تضمنه الكتاب الذي هم شهداء عليه، وبالجملة احتمالات هذه الآية كثيرة فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ خطاب لرؤساء اليهود وعلمائهم بطريق الالتفات كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه والسدي والكلبي، ويتناول النهي غير أولئك المخاطبين بطريق الدلالة، والفاء لجواب شرط محذوف أي إذا كان الشأن كما ذكر يا أيها الأحبار فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ كائنا من كان، واقتدوا في مراعاة أحكام التوراة وحفظها بمن قبلكم من النبيين والربانيين والأحبار، ولا تعدلوا عن ذلك ولا تحرفوا خشية من أحد وَاخْشَوْنِ في ترك أمري فإن النفع والضر بيدي، أو في الإخلال بحقوق مراعاتها فضلا عن التعرض لها بسوء وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي أي لا تستبدلوا بآياتي التي فيها بأن تخرجوها منها أو تتركوا العمل بها وتأخذوا لأنفسكم ثَمَناً قَلِيلًا من الرشوة والجاه وسائر الحظوظ الدنيوية، فإنه وإن جلت قليلة مسترذلة في نفسها لا سيما بالنسبة إلى ما يفوتهم بمخالفة الأمر، وذهب الحسن البصري إلى أن الخطاب للمسلمين وهو الذي ينبئ عنه كلام الشعبي.

وعن ابن مسعود- وهو الوجه كما في الكشف- أنه عام، والفاء على الوجهين فصيحة أي وحين عرفتم ما كان عليه النبيون والأحبار، وما تواطأ عليه الخلوف من أمر التحريف والتبديل للرشوة والخشية، فلا تخشوا الناس ولا تكونوا أمثال هؤلاء الخالفين، والذي يقتضيه كلام بعض أئمة العربية أنها على الوجه فصيحة أيضا، وقد تقدم الكلام على مثل هذا التركيب فتذكر وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ من الأحكام فَأُولئِكَ إشارة إلى مِنْ والجمع باعتبار معناها كما أن الإفراد في سابقه باعتبار لفظها، وهو مبتدأ خبره جملة قوله سبحانه: هُمُ الْكافِرُونَ ويجوز أن

<<  <  ج: ص:  >  >>