للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن نتدبر الآيات المعجزات حتى يتعلق فهمنا بأهداب علوها في البلاغة المعهودة لها، والله تعالى الموفق للصواب انتهى.

وفي المفتاح: والتخليص إشارة إلى ما ذكره، وإيراد الطيبي عليه ما أورده غير طيب، نعم قد يقال: إن القائل بكونها مادحة لمن جرت عليه نفسه قد يدعي أن ذلك مما لا بأس به إذا قصد مع المدح فوائد أخر كالتنويه بعلو مرتبة المسلمين هنا والتعريض باليهود بأنهم بمعزل عن الإسلام، على أنه قد ورد في الفصيح- بل في الأفصح- ذكر غير الأبلغ بعد الأبلغ من الصفات، ومن ذلك الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: ١ وغيرها] حيث كان متضمنا نكتة، وقال عصام الملة: إن الإسلام للنبي كمال المدح لأن الانقياد من المقتدي للخلائق التي لا تحصى وصف لا وصف فوقه، ويمكن أن يكون الوصف به هنا إشعارا بمنشأ الحكم ليحافظ عليه الأمة ولا يخرم، ولا يتوهم أن الحكم للنبوة، فغير النبي صلّى الله عليه وسلّم خارج عن هذا المسلك انتهى، وفيه تأمل، إذ الترقي من الأدنى إلى الأعلى لم يظهر بعد، ونهاية الأمر الرجوع إلى نحو ما تقدم فافهم لِلَّذِينَ هادُوا أي تابوا من الكفر- كما قاله ابن عباس رضي الله تعالى عنه- والمراد بهم اليهود- كما قال الحسن- والجار إما متعلق- بيحكم- أي يحكمون فيما بينهم، واللام إما لبيان اختصاص الحكم بهم أعم من أن يكون لهم أو عليهم، كأنه قيل: لأجل الذين هادوا، وإما للإيذان بنفعه للمحكوم عليه أيضا بإسقاط التبعة عنه، وإما للإشعار بكمال رضاهم به وانقيادهم له كأنه أمر نافع لكلا الفريقين ففيه تعريض بالمحرفين، وقيل: من باب سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] وإما متعلق- بأنزلنا- ولعل الفاصل ليس بالأجنبي ليضر، وقيل: بأنزل على صيغة المبني للمفعول، وحذف لدلالة الكلام عليه، وتكون الجملة حينئذ معترضة، وعلى هذا تكون الآية نصا في تخصيص النبيين بأنبياء بني إسرائيل لأنه لا يلزم من إنزالها لهم اختصاصها بهم، وقيل: الجار متعلق- بهدى ونور- وفيه فصل بين المصدر ومعموله، وقيل: متعلق بمحذوف وقع صفة لهما أي هُدىً وَنُورٌ كائنان لهما، وكلام الزجاج يحتمل هذا وما قبله وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ أي العباد والعلماء قاله قتادة، وقال مجاهد:

الرَّبَّانِيُّونَ العلماء الفقهاء وهم فوق الأحبار، وعن ابن زيد الرَّبَّانِيُّونَ الولاة، وَالْأَحْبارُ العلماء، والواحد:

حبر بالفتح والكسر، قال الفراء: وأكثر ما سمعت فيه الكسر، وهو مأخوذ من التحبير والتحسين، فإن العلماء يحبرون العلم ويزينونه ويبينونه، ومن ذلك الحبر- بكسر الحاء لا غير- لما يكتب به، وهذا عطف على «النبيون» أي هم أيضا يحكمون بأحكامها، وتوسيط المحكوم لهم- كما قال شيخ الإسلام- بين المتعاطفين للإيذان بأن الأصل في الحكم بها، وحمل الناس على ما فيها هم النبيون، وإنما الربانيون والأحبار خلفاء ونواب لهم في ذلك كما ينبئ عنه قوله تعالى: بِمَا اسْتُحْفِظُوا أي بالذي استحفظوه من جهة النبيين وهو التوراة حيث سألوهم أن يحفظوها من التغيير والتبديل على الإطلاق، ولا ريب في أن ذلك منهم عليهم السلام مشعر باستخلافهم في إجراء أحكامها من غير إخلال بشيء منها، والجار متعلق «بيحكم» ، وما موصولة، وضمير الجمع عائد إلى الربانيين والأحبار، وقوله تعالى:

مِنْ كِتابِ اللَّهِ بيان- لما- وفي الإبهام والبيان بذلك ما لا يخفى من تفخيم أمر التوراة ذاتا وإضافة، وفيه أيضا تأكيد إيجاب حفظها والعمل بما فيها، والباء الداخلة على الموصول سببية فلا يلزم تعلق حرفي جر متحدي المعنى بفعل واحد أي ويحكم الربانيون والأحبار أيضا بالتوراة بسبب ما حفظوه مِنْ كِتابِ اللَّهِ حسبما وصاهم به أنبياؤهم وسألوهم أن يحفظوه، وليس المراد بسببيته لحكمهم ذلك سببيته من حيث الذات بل من حيث كونه محفوظا، فإن تعليق حكمهم بالموصول مشعر بسببية الحفظ المترتب لا محالة على ما في حيز الصلة من الاستحفاظ له، وتوهم بعضهم أن ما بمعنى أمر، ومِنْ لتبيين مفعول محذوف- لاستحفظوا- والتقدير بسبب أمر اسْتُحْفِظُوا به

<<  <  ج: ص:  >  >>