عطف كما قال أبو البقاء على إطعام واستظهره غير واحد، واختار الزمخشري أنه عطفت على محل مِنْ أَوْسَطِ ووجهه فيما نسب إليه بأن مِنْ أَوْسَطِ بدل من الإطعام والبدل هو المقصود ولذلك كان المبدل منه في حكم المنحي فكأنه قيل: فكفارته من أوسط ما تطعمون. ووجه صاحب التقريب عدوله عن الظاهر بأن الكسوة اسم لنحو الثوب لا مصدرا، فقد قال الراغب: الكساء والكسوة اللباس فلا يليق عطفه على المصدر السابق مع أن كليهما فيما يتعلق بالمساكين، وبأنه يؤدي إلى ترك ذكر كيفية الكسوة وهو كونها أوسط، ثم قال: ويمكن أن يجاب عن الأول بأن الكسوة إما مصدر كما يشعر به كلام الزجاج أو يضمر مصدر كالإلباس، وعن الثاني بأن يقدر أو كسوتهم من أوسط ما تكسون وحذف ذلك لقرينة ذكره في المعطوف عليه أو بان تترك على إطلاقها إما بإرادة إطلاقها أو بإحالة بيانها على الغير، وأيضا العطف على محل مِنْ أَوْسَطِ لا يفيد هذا المقصود وهو تقدير الأوسط في الكسوة فالإلزام مشترك ويؤدي إلى صحة إقامته مقام المعطوف عليه وهو غير سديد اه.
واعترض بعض المحققين على ما نسب إلى الزمخشري أيضا بأن العطف على البدل يستدعي كون المعطوف بدلا أيضا وإبدال الكسوة من إِطْعامُ لا يكون إلا غلطا لعدم المناسبة بينهما أصلا وبدل الغلط لا يقع في الفصيح فضلا عن أفصح الأفصح. ومنع عدم الوقوع مما لا يلتفت إليه، وجعل غير واحد هذا العطف من باب. علفتها تبنا وماء باردا. كأنه قيل إطعام هو أوسط ما تطعمون أو إلباس هو كسوتهم على معنى إطعام هو إطعام الأوسط وإلباس هو إلباس الكسوة وفيه إبهام وتفسير في الموضعين.
واعترض بأن العطف على هذا يكون على المبدل منه لا البدل، وأجيب بأن المراد أنه بالنظر إلى ظاهر اللفظ عطف على البدل وهو كما ترى، واعترض الشهاب على دعوى أن الداعي الزمخشري عن العدول إلى الظاهر إلى اختيار العطف على محل مِنْ أَوْسَطِ تحصيل التناسب بين نوعي الكفارة المتعلقة بالمساكين بأنه كيف يتأتى ذلك وقد جعل العطف على «من أوسط» على تقدير بدليته وهو على ذلك التقدير صفة إطعام مقدر انتهى.
وقد علمت أن هذا رأي لبعضهم. وبالجملة فيما ذهب إليه الزمخشري دغدغة حتى قال العلم العراقي: إنه غلط والصواب العطف على «إطعام» ، وقال الحلبي: ما ذكره الزمخشري إنما يتمشى على وجه وهو أن يكون مِنْ أَوْسَطِ خبر لمبتدأ محذوف يدل عليه ما قبله تقديره طعامهم من أوسط فالكلام تام على هذا عند قوله سبحانه:
عَشَرَةِ مَساكِينَ ثم ابتدأ أخبارا آخر بأن الطعام يكون أوسط كذا. وأما إذا قلنا إن مِنْ أَوْسَطِ هو المفعول الثاني فيستحيل عطف كِسْوَتُهُمْ عليه لتخالفهما إعرابا انتهى. ثم المراد بالكسوة ما يستر عامة البدن على ما روي عن الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه. وأبي يوسف فلا يجزي عندهما السراويل لأن لابسه يسمى عريانا في العرف لكن ما لا يجزئه عن الكسوة يجزئه عن الإطعام باعتبار القيمة، وفي اشتراط النية حينئذ روايتان. وظاهر الرواية الإجزاء نوى أو لم ينو. وروي أيضا أنه إن أعطى السراويل المرأة لا يجوز وإن أعطى الرجل يجوز لأن المعتبر رد العرى بقدر ما تجوز به الصلاة وذلك ما به يحصل ستر العورة والزائد تفضل للتجمل أو نحوه فلا يجب في الكسوة كالأدام في الطعام والمروي عن محمد أن ما تجوز فيه الصلاة يجزىء مطلقا. والصحيح المعول عليه عندنا هو الأول، ويشترط أن يكون ذلك ما يصلح فيه الصلاة يجزىء مطلقا. والصحيح المعول عليه عندنا هو الأول، ويشترط أن يكون ذلك مما يصلح للأوساط وينتفع به فوق ثلاثة أشهر، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما كانت العباءة تجزىء يومئذ، وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه يجزىء قميص أو رداء أو كساء، وعن الحسن أنهما ثوبان أبيضان.
وروى الإمامية عن الصادق رضي الله تعالى عنه أنها ثوبان لكل مسكين ويجزىء ثوب واحد عند الضرورة