للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابنا في المسكين أن يكون مراهقا فما فوقه فلا يجزىء غير المراهق على ما ذكره الحصكفي نقلا عن البدائع في كفارة الظهار، وسيأتي إن شاء الله تعالى في آية كفارة الظهار أن المراد من الإطعام التمكين من الطعم وتحقيق الكلام في ذلك على أتم وجه. وقرىء «أو كسوتهم» بضم الكاف وهو لغة كقدوة في قدوة وأسوة في أسوة. وقرأ سعيد بن المسيب واليماني «أو كاسوتهم» بكاف الجر الداخلة على أسوة وهي كما قال الراغب الحال التي يكون الإنسان عليها في اتباع غيره إن حسنا وإن قبيحا. والهمزة كما قال غير واحد: بدل من واو لأنه من المواساة. والجار والمجرور خبر مبتدأ محذوف والتقدير أو طعامهم كأسوة أهليكم، وقال السعد: الكاف زائدة أي أو طعامهم أسوة أهليكم، وقيل:

الأولى أن يكون التقدير طعام كاسوتهم على الوصف فهو عطف أيضا على مِنْ أَوْسَطِ وعلى هذه القراءة يكون التخيير بين الإطعام والتحرير في قوله تعالى: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فقط وتكون الكسوة ثابتة بالسنة. وزعم أبو حيان أن الآية تنفي الكسوة وليس بشيء، وقال أبو البقاء: المعنى مثل أسوة أهليكم في الكسوة فلا تكون الآية عارية عن الكسوة وفيه نظر إذ ليس في الكلام ما يدل على ذلك التقدير.

والمراد بتحرير رقبة إعتاق إنسان كيف ما كان. وشرط الشافعي عليه الرحمة فيه الإيمان حملا للمطلق هنا على المقيد في كفارة القتل. وعندنا لا يحمل لاختلاف السبب. واستدل بعض الشافعية على ذلك بأن الكفارة حق الله تعالى وحق الله سبحانه لا يجوز صرفه إلى عدو الله عز اسمه كالزكاة. ونحن نقول: المنصوص عليه تحرير رقبة وقد تحقق. والقصد بالإعتاق أن يتمكن المعتق من الطاعة بخلوصه عن خدمة المولى ثم مقارفته المعصية وبقاؤه على الكفر يحال به إلى سوء اختياره. واعترض بأن لقائل أن يقول: نعم مقارفته المعصية يحال به إلى ما ذكر لكن لم لا يكون تصور ذلك منه مانعا عن الصرف إليه كما في الزكاة. وأجيب بأن القياس جواز صرف الزكاة إليه أيضا لأن فيه مواساة عبيد الله تعالى أيضا لكن

قوله صلّى الله عليه وسلّم: «خذها من أغنيائهم وردها إلى فقرائهم»

أخرجهم عن المصرف.

وقد ذكر بعض أصحابنا ضابطا لما يجوز إعتاقه في الكفارة وما لا يجوز فقال: متى أعتق رقبة كاملة الرق في ملكه مقرونا بنية الكفارة وجنس ما يبتغي من المنافع فيها قائم بلا بدل جاز وإن لم يكن كذلك فإنه لا يجوز وهل يجوز عتق الأصم أم لا؟ قولان. وفي الهداية، ويجوز الأصم والقياس أن لا يجوز وهو رواية النوادر لأن الفائت جنس المنفعة إلا أنا استحسنا الجواز لأن أصل المنفعة باق فإنه إذا صيح عليه يسمع حتى لو كان بحال لا يسمع أصلا بأن ولد أصم وهو الأخرس لا يجزئه انتهى.

ومعنى أو إيجاب إحدى الخصال الثلاث مطلقا وتخيير المكلف في التعيين ونسب إلى بعض المعتزلة أن الواجب الجمع ويسقط واحدا. وقيل الواجب متعين عند الله تعالى وهو ما يفعله المكلف فيختلف بالنسبة إلى المكلفين. وقيل: إن الواجب واحد معين لا يختلف لكن يسقط به وبالآخر. وتفاوتها قدرا وثوابا لا ينافي التخيير المفوض تفاوته إلى الهمم وقصد زيادة الثواب فإن الكسوة أعظم من الإطعام والتحرير أعظم منهما. وبدأ سبحانه بالإطعام تسهيلا على العباد. وذكر غير واحد من أصحابنا أن المكلف لو أدى الكل جملة أو مرتبا ولم ينو إلا بعد تمامها وقع عنها واحد هو أعلاها قيمة ولو ترك الكل عوقب بواحد هو أدناها قيمة لسقوط الفرض بالأدنى. وتحقيق ذلك في الأصول فَمَنْ لَمْ يَجِدْ أي شيئا من الأمور المذكورة فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ أي فكفارته ذلك. ويشترط الولاء عندنا ويبطل بالحيض بخلاف كفارة الفطر. وإلى اشتراط الولاء ذهب ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وقتادة والنخعي.

وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: لما نزلت آية الكفارات قال حذيفة: يا رسول الله

<<  <  ج: ص:  >  >>