يخافه أي هذا الاستفهام بعيد. وقرىء ليعلم من الإعلام على حذف المفعول الأول أي ليعلم الله عباده إلخ، وإظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتربية المهابة وإدخال الروعة فَمَنِ اعْتَدى أي تجاوز حد الله تعالى وتعرض للصيد بَعْدَ ذلِكَ الإعلام وبيان أن ما وقع ابتلاء من جهته سبحانه لما ذكر من الحكمة. وقيل: بعد التحريم والنهي، ورد بأن النهي والتحريم ليس أمرا حادثا ترتب عليه الشرطية بالفاء، وقيل: بعد الابتلاء ورد بأن الابتلاء نفسه لا يصلح مدارا لتشديد العذاب بل ربما يتوهم كونه عذرا مسوغا لتحقيقه.
وفسر بعضهم الابتلاء بقدرة المحرم على المصيد فيما يستقبل، وقال: ليس المراد به غشيان الصيود إياهم فإنه قد مضى، وأنت تعلم إن إرادة ذلك المعنى ليست في حيز القبول والمعول عليه ما أشرنا إليه أي فمن تعرض للصيد بعد ما بينا أن ما وقع من كثرة الصيد وعدم توحشه منهم ابتلاء مؤد إلى تعلق العلم بالخائف بالفعل أو تميز المطيع من العاصي فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ لأن التعرض والاعتداء حينئذ مكابرة محضة وعدم مبالاة بتدبير الله تعالى وخروج عن طاعته وانخلاع عن خوفه وخشيته بالكلية، ومن لا يملك زمام نفسه ولا يراعي حكم الله تعالى في أمثال هذه البلايا الهينة لا يكاد يراعيه في عظائم المداحض. والمتبادر على ما قيل: إن هذا العذاب الأليم في الآخرة، وقيل: هو في الدنيا.
فقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق قيس بن سعد عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: هو أن يوسع ظهره وبطنه جلدا ويسلب ثيابه وكان الأمر كذلك في الجاهلية أيضا، وقيل: المراد بذلك عذاب الدارين وإليه ذهب شيخ الإسلام. ومناسبة الآية لما قبلها على ما ذكره الأجهوري أنه سبحانه لما أمرهم أن لا يحرموا الطيبات. وأخرج من ذلك الخمر والميسر وجعلهما حرامين، وإنما أخرج بعد من الطيبات ما يحرم في حال دون حال وهو الصيد، ثم إنه عز اسمه شرع في بيان ما يتدارك به الاعتداء من الأحكام إثر بيان ما يلحقه من العذاب فقال عز من قائل:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ والتصريح بالنهي مع كونه معلوما لا سيما من قوله تعالى:
غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ [المائدة: ١] لتأكيد الحرمة وترتيب ما يعقبه عليه، واللام في الصَّيْدَ للعهد حسبما سلف، وإطلاقه على غير المأكول شائع، وإلى التعميم ذهبت الإمامية، وأنشدوا لعلي كرم الله تعالى وجهه:
صيد الملوك ثعالب وأرانب ... وإذا ركبت فصيدي الأبطال
وخصه الشافعية بالمأكول قالوا: لأنه الغالب فيه عرفا، وأيد ذلك بما
وفي رواية لمسلم والحية بدل العقرب، وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة البحث. والحرم جمع حرام كردح جمع رداح والحرام والمحرم بمعنى والمراد به من أحرم بحج أو عمرة وإن كان في الحل وفي حكمه من كان في الحرم وإن كان حلالا، وقيل: المراد به من كان في الحرم وإن لم يكن محرما بنسك وفي حكمه المحرم وإن كان في الحل، وقال أبو علي الجبائي: الآية تدل على تحريم قتل الصيد على المحرم بنسك أينما كان وعلى من في الحرم كيفما كان معا، وقال علي بن عيسى: لا تدل إلا على تحريم ذلك على الأول خاصة، ولعل الحق مع علي لا مع أبيه، وذكر القتل دون الذبح ونحوه للإيذان بأن الصيد وإن ذبح في حكم الميتة، وإلى ذلك ذهب الإمام الأعظم. وأحمد. ومالك رضي الله تعالى عنهم، وهو القول الجديد للشافعي رضي الله تعالى عنه، وفي القديم لا يكون في حكم الميتة ويحل أكله للغير ويحرم على المحرم وَمَنْ قَتَلَهُ كائنا مِنْكُمْ حال كونه مُتَعَمِّداً أي ذاكرا لإحرامه عالما بحرمة قتل ما يقتله ومثله من قتله خطأ للسنة.
فقد أخرج ابن جرير عن الزهري قال: نزل القرآن بالعمد وجرت السنة في الخطأ. وأخرج الشافعي وابن المنذر