عن عمرو بن دينار قال: رأيت الناس أجمعين يغرمون في الخطأ، وقال بعضهم: التقييد به بالعمد لأنه الأصل والخطأ ملحق به قياسا. واعترض بأن القياس في الكفارات مختلف فيه، والحنفية لا تراه، وقيل: التقييد به لأنه المورد،
فقد روي أنه عن لهم حمار وحشي فحمل عليه أبو اليسر فطعنه برمحه فقتله فقيل له: قتلته وأنت محرم فأتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فسأله عن ذلك فأنزل الله تعالى الآية.
واعترض بأن الخبر على تقدير ثبوته إنما يدل على أن القتل من أبي اليسر كان عن قصد وهو غير العمد بالمعنى السابق إذ قد أخذ فيه العلم بالتحريم، وفعل أبي اليسر خال عن ذلك بشهادة الخبر إذ يدل أيضا على أن حرمة قتل المحرم الصيد علمت بعد نزول الآية. وأجيب بأنا لا نسلم أن أبا اليسر لم يكن عالما بالحرمة إذ ذاك.
فقد روي عن جابر بن عبد الله وابن عباس رضي الله تعالى عنهم أن الصيد كان حراما في الجاهلية حيث كانوا يضربون من قتل صيدا ضربا شديدا والمعلوم من الآية كون ذلك من شرعنا، وقيل: إن العلم بالحرمة جاء من قوله تعالى: غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ ولعله أولى. وعن داود أنه لا شيء في الخطأ أخذا بظاهر الآية. وروى ابن المنذر ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وابن جبير وطاوس وأخرج أبو الشيخ عن ابن سيرين قال: من قتله ناسيا لإحرامه فعليه الجزاء ومن قتله متعمدا لقتله غير ناس لإحرامه فذاك إلى الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. وأخرج ابن جرير عن الحسن. ومجاهد نحو ذلك، ومَنْ يجوز أن تكون شرطية وهو الظاهر ويجوز أن تكون موصولة، والفاء في قوله تعالى: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ جزائية على الأول وزائدة لشبه المبتدأ بالشرط على الثاني. وفَجَزاءٌ بالرفع والتنوين مبتدأ ومِثْلُ مرفوع على أنه صفته والخبر محذوف أي فعليه، وجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف أي فواجبه أو فالواجب عليه جزاء مماثل لما قتله.
وجوز أبو البقاء أن يكون مِثْلُ بدلا والزجاج أن يكون جزاء مبتدأ ومِثْلُ خبره إذ التقدير جزاء ذلك الفعل أو المقتول مماثل لما قتله وبهذا قرأ الكوفيون ويعقوب، وقرأ باقي السبعة برفع «جزاء» مضافا إلى «مثل» .
واستشكل ذلك الواحدي بل قال: ينبغي أن لا يجوز لأن الجزاء الواجب للمقتول لا لمثله. ولا يخفى أن هذا طعن في المنقول المتواتر عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وذلك غاية في الشناعة، وما ذكر مجاب عنه، أما أولا فبأن جزاء كما قيل مصدر مضاف لمفعوله الثاني أي فعليه أن يجزي مثل ما قتل ومفعوله الأول محذوف والتقدير فعليه أن يجزي المقتول من الصيد مثله ثم حذف المفعول الأول لدلالة الكلام عليه وأضيف المصدر إلى الثاني، وقد يقال لا حاجة إلى ارتكاب هذه المئونة بأن يجعل مصدرا مضافا إلى مفعوله من غير تقدير مفعول آخر على أن معنى أن يجزىء مثل أن يعطي المثل جزاء، وأما ثانيا فبأن تجعل الإضافة بيانية أي جزاء هو مثل ما قتل، وأما ثالثا فبأن يكون مِثْلُ مقحما كما في قولهم: مثلك لا يفعل كذا.
واعترض هذا بأنه يفوت عليه اشتراط المماثلة بين الجزاء والمقتول وكون جزائه المحكوم به ما يقاومه ويعادله وهو يقتضي المماثلة مما لا يكاد يسلم انفهامه من هذه الجملة كما لا يخفى.
وقرأ محمد بن مقاتل بتنوين جزاء ونصبه ونصب مِثْلُ أي فليجز جزاء أو فعليه أن يجزي جزاء مثل ما قتل، وقرأ السلمي برفع جزاء منونا ونصب مِثْلُ أما رفع جزاء فظاهر وأما نصب مثل فبجزاء أو بفعل محذوف دل جزاء عليه أي يخرج أو يؤدي مثل. وقرأ عبد الله «فجزاؤه» برفع جزاء مضافا إلى الضمير ورفع مثل على الابتداء والخبرية. والمراد عند الإمام الأعظم وأبي يوسف المثل باعتبار القيمة يقوم الصيد من حيث أنه صيد لا من حيث ما زاد عليه بالصنع في المكان الذي أصابه المحرم فيه أو في أقرب الأماكن إليه مما يباع فيه ويشري