لا يغالب ذُو انْتِقامٍ شديد فينتقم ممن يتعدى حدوده ويخالف أوامره ويصر على معاصيه أُحِلَّ لَكُمْ أيها المحرمون صَيْدُ الْبَحْرِ أي ما يصاد في الماء بحرا كان أو نهرا أو غديرا وهو ما يكون توالده ومثواه في الماء مأكولا كان أو غيره كما في البدائع. وفي مناسك الكرماني الذي رخص من صيد البحر المحرم هو السمك خاصة وأما نحو طيره فلا رخصة فيه له والأول هو الأصح وَطَعامُهُ أي ما يطعم من صيده. وهو عطف على «صيد» من عطف الخاص على العام. والمعنى أحل لكم التعرض لجميع ما يصاد في المياه والانتفاع به وأكل ما يؤكل منه وهو السمك عندنا. وعند ابن أبي ليلى الصيد والطعام على معناهما المصدري وقدر مضافا في صيد البحر وجعل ضمير «طعامه» راجعا إليه لا إلى البحر أي أحل لكم صيد حيوان البحر وأن تطعموه وتأكلوه فيحل عنده أكل جميع حيوانات البحر من حيث أنها حيواناته، وقيل: المراد بصيد البحر ما صيد ثم مات وبطعامه ما قذفه البحر ميتا، وروي ذلك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما. وابن عمر. وقتادة.
وقيل: المراد بالأول الطري وبالثاني المملوح. وسمي طعاما لأنه يدخر ليطعم فصار كالمقتات به من الأغذية وروي ذلك عن ابن المسيب وابن جرير ومجاهد وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وفيه بعد.
وأبعد منه كون المراد بطعامه ما ينبت بمائة من الزروع والثمار. وقرىء «وطعمه» مَتاعاً لَكُمْ نصب على أنه مفعول له لأحل أي تمتيعا. وجعله في الكشاف مختصا بالطعام كما أن «نافلة» في باب الحال من قوله تعالى: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ نافِلَةً [الأنبياء: ٧٢] مختص بيعقوب عليه السلام، والذي حمله على ذلك كما قال الشهاب مذهبه وهو مذهب إمامنا الأعظم رضي الله تعالى عنه من أن صيد البحر ينقسم إلى ما يؤكل وإلى ما لا يؤكل وأن طعامه هو المأكول منه إلا أنه أورد عليه أنه يؤدي إلى أن الفعل الواحد المسند إلى فاعلين متعاطفين يكون المفعول له المذكور بعدهما لأحدهما دون الآخر كقام زيد وعمرو إجلالا لك على أن الإجلال مختص بقيام أحدهما وفيه إلباس.
وأما الحال في الآية المذكورة فليست نظيرة لهذا لأن فيه قرينة عقلية ظاهرة لأن النافلة ولد الولد فلا تعلق لها بإسحاق لأنه ولد صلب لإبراهيم عليهما السلام. وعلى غير مذهب الإمام لا اختصاص للمفعول له بأحدهما وهو ظاهر جلي.
وقيل: نصب على أنه مصدر مؤكد لفعل مقدر أي متعكم به متاعا، وقيل: مؤكد لمعنى «أحل» فإنه في قوة متعكم به تمتيعا كقوله كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [النساء: ٢٤] وقيل وليس بشيء: إنه حال مقدرة من طعام أي مستمتعا به للمقيمين منكم يأكلونه طريا وَلِلسَّيَّارَةِ منكم يتزودونه قديدا وهو مؤنث سيار باعتبار الجماعة كما قال الراغب.
وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ وهو ما توالده ومثواه في البر مما هو ممتنع لتوحشه الكائن في أصل الخلقة فيدخل الظبي المستأنس ويخرج البعير والشاة المتوحشان لعروض الوصف لهما، وكون زكاة الظبي المستأنس بالذبح والأهلي المتوحش بالعقر لا ينافيه لأن الذكاة بالذبح والعقر دائران مع الإمكان وعدمه لا مع الصيدية وعدمها.
واستثنى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمسا.
ففي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم خمس من الدواب. ليس على المحرم في قتلهن جناح العقرب والفأرة والكلب العقور والغراب والحدأة»
وقد تقدم ما في رواية لمسلم وجاء تسميتهن فواسق، وفي فتح القدير ويستثنى من صيد البر بعضه كالذئب والغراب والحدأة وأما باقي الفواسق فليست بصيود. وأما باقي السباع فالمنصوص عليه في ظاهر الرواية عدم الاستثناء وأنه يجب بقتلها الجزاء ولا يجاوز شاة إن ابتدأها المحرم وإن ابتدأته فلا شيء عليه وذلك كالأسد، والفهد، والنمر، والصقر، والبازي، وأما صاحب البدائع فيقسم البري إلى مأكول وغيره، والثاني إلى ما يبتدىء بالأذى غالبا كالأسد.
والذئب. والنمر وإلى ما ليس كذلك كالضبع، والفهد. والثعلب فلا يحل قتل الأول والأخير إلا أن يصول ويحل قتل