وتعليله عليه الصلاة والسلام الرد بأنه محرم لا يمنع من كونه صيد له لأنه إنما يحرم الصيد على الإنسان إذا صيد له بشرط أن يكون محرما، فبين صلّى الله عليه وسلّم الشرط الذي يحرم به،
وقيل: إن جابرا إنما أهدى حمارا فرده صلّى الله عليه وسلّم لامتناع تملك المحرم الصيد،
ولا يخفى أن الروايات الدالة على البعضية أكثر ولا تعارض بينها فتحمل رواية أنه أهدى حمارا على أنه من إطلاق اسم الكل على البعض ويمتنع هنا العكس إذ إطلاق الرجل مثلا على كل الحيوان غير معهود، وقد صرحوا أنه لا يجوز أن يطلق على زيد أصبع ونحوه لأن شرط إطلاق اسم البعض على الكل التلازم كالرقبة والرأس على الإنسان فإنه لا إنسان دونهما بخلاف نحو الرجل والظفر، وأما إطلاق العين على الرؤية فليس من حيث هو إنسان بل من حيث هو رقيب وهو من هذه الحيثية لا يتحقق بلا عين أو هو أحد معاني المشترك اللفظي كما عده كثير منها فليتيقظ.
وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما نهاكم عنه من الصيد أو في جميع المعاصي التي من جملتها ذلك الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ لا إلى غيره حتى يتوهم الخلاص من أخذه تعالى بالالتجاء إلى ذلك الغير.
هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إيمانا علميا لا تُحَرِّمُوا بتقصيركم في السلوك طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ من مكاشفات الأحوال وتجليات الصفات وَلا تَعْتَدُوا بظهور النفس بصفاتها وَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ أي اجعلوا ما من الله تعالى به عليكم من علوم التجليات ومواهب الأحوال والمقامات غذاء قلوبكم حَلالًا طَيِّباً وَاتَّقُوا اللَّهَ في حصول ذلك لكم بأن تردوها منه وله، وجعل غير واحد هذا خطابا للواصلين من أرباب السلوك حيث أرادوا الرجوع إلى حال أهل البدايات من المجاهدات فنهوا عن ذلك وأمروا بأكل الحلال الطيب، وفسروا الحلال بما وصل إلى المعارف من خزائن الغيب بلا كلفة، والطيب ما يقوي القلب في شوق الله تعالى وذكر جلاله، وقيل: الحلال الطيب ما يأكل على شهود وإلا فعلى ذكر، فإن الأكل على الغفلة حرام في شرع السلوك، وقال آخرون: الحلال الطيب هو الذي يراه العارف في خزانة القدر فيأخذه منها بوصف الرضا والتسليم، والحرام ما قدر لغيره وهو يجتهد في طلبه لنفسه لا يُؤاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وهو الحلف لملالة النفس وكلالة القوى وغلبة سلطان الهوى، وعدوا من اللغو في اليمين الإقسام على الله تعالى بجماله وجلاله سبحانه عند غلبة الشوق ووجدان الذوق أن يرزقه شيئا من إقباله عز وجل ووصاله فإن ذلك لغو في شريعة الرضا ومذهب التسليم. والذي يقتضيه ذلك ما أشير إليه بقوله:
أريد وصاله ويريد هجري ... فأترك ما أريد لما يريد
لكن لا يؤاخذ الله تعالى عليه الحالف لعلمه بضعف حاله. وعدوا من ذلك أيضا ما يجري على لسان السالكين في غلبة الوجد من تجديد العهد وتأكيد العقد كقول بعضهم:
وحقك لا نظرت إلى سواكا ... بعين مودة حتى أراكا
فإن ذلك ينافي التوحيد وهل في الدار ديار كلا بل هو الله الواحد القهار وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ وذلك إذا عزمتم على الهجران وتعرضتم للخذلان عن صميم الفؤاد فَكَفَّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ وهي على ما قال البعض الحواس الخمس الظاهرة والحواس الخمس الباطنة مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ وهم القلب والسر والروح والخفي، وطعامهم الشوق، والمحبة، والصدق، والإخلاص، والتفويض، والتسليم، والرضا، والإنس، والهيبة، والشهود، والكشوف، والأوسط الذكر، والفكر، والشوق، والتوكل، والتعبد، والخوف، والرجاء، وإطعام الحواس ذلك أن يشغلها به أَوْ كِسْوَتُهُمْ لباس التقوى أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ وهي رقبة النفس فيحررها من عبودية الحرص والهوى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ ولم يستطع فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فيمسك في اليوم الأول عما عزم عليه وفي اليوم الثاني